التلاعب بالزكاة واستغلال الضرائب / بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

خميس, 2017/02/09 - 17:55

الزكاة مُعطلة في بلادنا تقريبًا، لأن الكثير من المعنيين يتعامل معها وكأنها مسألة خيّار، وعندما يُعطيها البعضُ كأنه يُقدمُ هدية شخصية فحسب، وأحيانًا مع المنِّ والمصاعب المُتنوعة، دون أن يكون في الاعتبار، بالدرجة الأولى ربما طابع الإلزام الشرعي جليًا صريحًا.

وإذا كانت الدولة المسلمة المُعاصرة تركت للمعنيين حُرية الالتزام بهذه الفريضة المالية السنوية، في مال الغني المُسلم، فإن ذلك باختصار حوّل الزكاة إلى مسار التلاعب الفاحش وضيّعها أيّما تضييع، وهي الركن الثالث من أركان البناء الإسلامي الخمسة، الذي لا يكتملُ إلاّ بها.

إنّ التجار المسلمين في بلدنا مدعوون لتصحيح هذا الواقع المُهين للفقراء، فما يُدفعُ للمستحقين ليس وافيًا ولا يُدفعُ بالأسلوب اللائق، لأنه فرض مؤكد حتمي من شرع الله، وليس هدية أو صدقة تطوعية.

وينبغي للسلطة أن تتحرك لتنظيم الزكاة، ولا أدعو شخصيًا لأن تُستلمَ من طرف أيدي غير نظيفة، لتُفضي إلى مصير مُماثل لمصير المال العمومي محلّ التلاعب الواسع، وإنما يُمكن تَتبعُ أساليب غير مُباشرة، يُتأكدُ من خلالها مثلاً، التزام المعنيِّ بالحق المفروض، ومن خلال لوائح حقيقية، تُحصي المُستفيدين المُستحقين فعلاً.

وربُّ الكعبة لو دُفعَ نصف حق المال من الزكاة، لجنّبَ الكثير من الفُقراء التسوُّل والإذلال، ولوفَّر لهم بعض مطالبهم دون أن يكونَ ذلك على حساب كرامتهم المُهدرة وفقَ النموذج الغالب الراهن لتوزيع الزكوات، إن وُجِدتْ، حيثُ يُكرِّسُ هذا الأُسلوب الإهانة إلى جانب التفريط في حق الرحم وأقربُ الرحِمِ أحيانًا، والذي يُعتبر مجالاً أوسعَ من حقِّ الزكاة.

وللأسف أحيانًا تُضيَّعُ هذه الحقوق على أيدي أصحابِ لحىً طويلة كثّة، لا يُبالون غالبًا بمثلِ هذه الحقوق المُلِحَّة وإنما يُفضِّلُ بعضهم الاكتفاء بالحدِّ الأدنى من الزكاةِ، دون مُراعاة الحقوق الأُخرى، اللازمة لذوي الأرحام الأقربين خارجَ الزكاة طبعًا، أو على الأصحِّ إضافة عليها.

إنه مُجتمع مُتدين أحيانًا بالشكل، بسودُ فيه التلاعب ببعض الجوهر واللب، مثل الزكاة، ويُعمِّقُ تجاهل الدولة لهذا الأمر، هذا الواقع المؤلم القاسي، مع استهتار بعض الأغنياء بصلاتهم وذويهم المُلاصقين، ممّا ولَّدَ الكثير من الشِقاق والتباعُد والكراهية والوقائع الحرِجة المُفاجئة، وفي أوساط مُحافِظة أحيانًا، باتَتْ تدَّعي الحماس لاتباع الشرعِ، دون أن يكون ذلك فعليًا جادًا، وإنَّما أحيانًا للاستهلاك والتَصنُّع والمُباهاة، أكثر من الخوف من الحقوق والدِّقة في الوفاء بها.

وفي باب الضرائب، إن سؤَّغَ بعضُ العُلماء أنَّ للدولة المُسلمة حقًا ماليًا خارجَ الزكاة، في أيام كانت تُوَجه فيه هذه الزكاة لبيت مال المُسلمين، لتكون هذه الضرائب في حيز يُعين الحكومة على القيَّام بمُستلزمات الشأن العام دون الإفراطِ في الجباية وإرهاقِ الأغنيّاء، ودون تحويل السُلطة إلى جابية للمكوس المفتوحة الخيالية، إلاّ أنّ هذه الضرائب في موريتانيا في الوقت الحاضر تحوّلَتْ إلى سلاح لإثراء الدولة وإضعاف خُصومها من المواطنين، من ذوي الدُثور والحظوةِ طبعًا، وحتى عندما يَتعلّقُ الأمرُ بمستثمر أجنبي غير مرغوب، بحكم صلته بآخر محلي غير مأمون "سياسيًا" في حساب النظام القائم.

فتلجأ الدولة للتضييق على ذالك المُستثمر الأجنبي، لأنه لم يتوجَّه للأُسرة والجهة المُتغلِّبة وفريقها من رجال الأعمال، وقد باتَ الأمرُ شائعًا إلى حدِّ اليقين والبداهة.

وفي السياق الحالي ما زال سيفُ الضرائب مُسلَّطًا على أقارب معاوية من التُجَّار، ورغم الخلاف المُبهمِ مع اعل وبوعمّاتو، إلاّ أنّ الضغط الضريبي كان أخفَّ على منحىً مُريب غريب، يُؤكِّدُ ربما تعمق ورسوخ القبلية في النظام المُتغلِّب الراهن.

ولقد اعتمدَ معاوية أُسلوبًا وسطيًا، أميلَ لللين مع التُجَّار عمومًا، صغارًا وكبارًا، ومُستثمرين وافدين، وكادت الاستثماراتُ أن تزدهِرَ عبر بوابة النفط رغم بعض الفساد، لولا حُلولُ هذا النظام الحالي، الذي نافس رأسُهُ محمد ولد عبد العزيز في وقت وجيز كبار التُجّار عبر وكلاء معروفين من أقاربهَ، مثل ابن خالته أفيل ولد اللهاه على سبيل المثال لا الحصر، ورغم تضرر من قرّبَ في وقت سابق، محمد ولد بوعمّاتو مثلاً، وإن لم يصل معه للفتكِ الكبير، كما فعلَ حينًا مع تُجّارًا من أصهاره، جازاهُم جزاء السنمار، جرّاء صلته العائلية بهم، والتي لم تشفع لهُم، مهما أظهروا من مُرونة وولاء زائد مُبالِغ، لإدراكِ أدنى مُستويات السلامة.

وكادَ أن يمحوَ مجموعة اعبيدن "سوجوكو وأخواتها"، فَعُطِّلُ مشروع بومي صاحب القصّة الشهيرة، والتي ما زالتْ مُعلّقة في المحافل القضائية الدولية، وأُغلِقت بسبب الضرائب شركة التأمين المُختلِطة رأس المال "الموريتاني البريطاني ولو بأسهم أجنبية محدودة" "أتلنتيك لندن كيت"، حيثُ فُرضَ عليها ما لا يُعقلُ ولا يمكنُ تسديده، حسب العارفين بالملف، على ضوء نشاطها المُتوسِّط.

ففضَّل عزيز وولد اجاي مدير الضرائب المُطيع آنذاك، الإضرار بهذه الشركات بدلَ تفهُّمِ ومعايشة الرأي الآخر.

وخصوصًا أنّ سيدِ أحمد ولد اسماعيل ولد اعبيدن المسؤول عن هذه الشركات لا شأنَ له بالسيّاسة، وإن كان له الحقُّ الطبيعي في مُمارستها، ولكن في حساب عزيز تَزِرُ وازِرة وِزرَ أُخرى، لأن سيدِ أحمد فقط شقيق عبد القدوس.

حُوصِرَ محمد ولد انويكظ طويلاً وأفلتَ نسبيًا من الحِصار بسبب تكيُّفه المفروض مع الخطر المُحْدِق المُتَصاعِدْ، ولم يتوقف الاستهداف رغم ذلك.

وتحوَّلَ ولد جيلى تقريبًا من الأعمال إلى السيّاسة، عبرَ ما يُسمّى بمُبادرةِ أمل، وصَفَّقَ بعضُ المحسوبين على شركات محمد عبد الله ولد عبد الله، ابتغاءًا للسلامة، دون أن يسلموا من هذا الظلم الطافح المؤلم الوحشي، وكذالك فَرضَ الحال على نائب برلماني تواصلي الخروج من تحتِ عباءةِ هذا الحزب المُعارِض، بسبب الاستهداف الضريبي الانتقائي، المُخِلِّ بمبدأ العدالة الضريبية المُفترَضْ.

الزكاة عندنا شعبية مُهملة، ومحلَّ تلاعُب واستهتار بمشاعر الفقراء وحقوقهم، ولو كانوا من أقرب ذوي الأرحام، والضرائب لدى الجهة الرسمية سيف مُسلّط على الجميع، وبالدرجة الأولى على رِقاب التُجّار المُعارِضين، حسبَ التقييم الخاص للنظام القائم، حتى لو هروَلَ هؤلاء وتسابقوا لساحة التوبة والولاء، بمناسبة أو بغير مُناسبة.

إنّ الضرائب ما دامتْ وسيلة لتصفية الحِسابات وبأسلوب عمومًا غير منصف وغير مُعتبر لضعفِ المعنيين ومحدودية نشاطهم، ستظَلُّ مَحَلَّ تَهَرُّب وعدم مصداقية، وربما يكون من الأفضل جباية الزكاة رسميًا وصرف جزء منها على الضُعفاء، مُقابل الحدِّ من الضرائب الخيالية الفوضوية والمُسيَّسة بامتياز أحيانًا، رغم أنه لا معنى لدولة بلا ضرائب، ولكن باللطف والعدل.

ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.