موريتانيا: الصحافة الورقية تحتجب وناشروها يؤكدون أنها تحتضر/عبد الله مولود

خميس, 2016/09/29 - 13:09

نواكشوط – «القدس العربي»: أظهر امتناع ناشرين موريتانيين خصوصيين أمس عن التجاوب مع قرار حجب الصدور الذي اتخذه ناشرو كبريات الصحف الموريتانية ما يطبع ساحة المقاولات الإعلامية الخاصة في موريتانيا من تناقض كبير.فقد ظهرت أمس مفارقة غريبة حيث احتجبت عن الصدور صحف كانت منتظمة بينما صدرت صحف لم تنتظم من قبل بهدف إفشال قرار الاحتجاب الذي يبدو أن السلطات الرسمية غير راضيه عنه.وأكد ناشرو الصحف المحتجبة في بيان وزعوه أمس «أن الصحافة الورقية المستقلة في موريتانيا، تمر حاليا بالظروف الأصعب في تاريخها، رغم كونها لعبت دور ريادة الصحافة الحرة في موريتانيا، وشاركت في جميع النضالات الديمقراطية منذ ١٩٩١، وتصدت لتحديات قوية متعددة من المصادرة بواسطة المادة إلى التحريم، إلى تحرش رجال السياسة ولوبياتها، مصممة على الاستمرار في الوقوف في مواجهة انحرافات الأنظمة مهما كلّف الثمن». «ورغم محدودية مواردها، يضيف البيان، فقد قامت الصحافة الورقية بدور مشهود في تعزيز دولة القانون ورقابة التسيير وكشف الفضائح وتنمية الديمقراطية، واليوم توجد الصحافة الورقية في وضعية صعبة يطبعها تراجع المبيعات، وتقلص الاشتراكات، وانعدام سوق للإشهار، ورداءة الطباعة، وعدم وجود مؤسسة للتوزيع، وتدهور المداخيل مقابل التكاليف الباهظة».وتابع الناشرون يقولون «إن صندوق دعم الصحافة بصورته الحالية لا يمثل الا جرعة خفيفة لجسم يعاني من إنهاك قوي، ولم تكن الصحافة تنتظر الا القرار الاداري بتجميد المليارات الستة التي كانت تحصل عليها على شكل اشتراكات وإعلانات لتدخل مرحلة الافلاس النهائي. وإزاء هذه الأزمة قررت مبادرة ناشري الصحف الورقية الدعوة إلى يوم بلا صحافة ورقية أمس الأربعاء الموافق بغية لفت انتباه السلطات وأصحاب النيات الحسنة والرأي العام الوطني والدولي والقوى الحية إلى الوضعية المأساوية للصحافة الورقية التي تحتضر».ودعت مبادرة الناشرين «جميع الصحف المستقلة والمهنية الجادة إلى التزام بهذا القرار الذي يهدف إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الصحافة الورقية والشروع فورا في تطبيق إصلاح الصحافة الذي تمخضت عنه الأيام التشاورية للصحافة المستقلة المنعقدة في تموز/يوليو ٢٠١٦ وتسهيل الولوج إلى الإشتراكات والإعلانات المجمدة من قبل السلطات».أما المعارضون للاحتجاب، فقد أكدوا في بيان آخر «أنهم قرروا الصدور أمس من أجل التأكيد للرأي العام على التزامهم بالحياد في ظل التجاذبات الحاصلة فى الحقل الصحافي بسبب تدخل بعض الساسة فى الشأن الإعلامي».وأكد ناشرو خمس عشرة مطبوعة «أن صدور صحفهم احترام للقراء الذين تتعهد الصحف أمامهم بانتظام الصدور بغض النظر عن التجاذبات السياسية».هذا وقد لاقت قضية احتجاب الصحف تجاوبا واسعا من لدن المدونين والمغردين، حيث انتقد المدون بابه سيداتي في تدوينة تحت عنوان «صحف البيشمركه ستصدر غدا، امتناع عدد من الصحف الخاصة عن التجاوب مع قرار الاحتجاب.وقال «كثيرا ما تستخدم السلطة الأحزاب المجهرية أو أحزاب الحقائب للإيحاء بأن أغلبية الأحزاب تدعم خياراتها ومواقفها، فعندما عارضت الأحزاب الوطنية انقلاب 6 أغسطس/ آب 2008 ، بادرت السلطة بجمع حملة الحقائب الحزبية لتقول إن أغلبية الأحزاب تساند الانقلاب على الرئيس المنتخب». «ويبدو أن السلطة، يضيف المدون، قد قررت اليوم استخدام عناوين صحف «البيشمركه» التي لا تصدر مطلقا، لتأكيد أن الصحف الورقية ستصدر غدا بعكس بيان ناشري الصحف الورقية المعلن عن احتجابها عن الصدور، فأصدرت «البيشمركه» بيانا مضادا لبيان الصحف الجادة، أكدت فيه أن يومية «الحياة الوطنية» ويومية «أخبار الحوادث» وصحيفة «لفريديك» وصحيفة «المواطنة» وصحيفة «التواصل» وصحيفة «صوت العمال» وصحيفة «الحقائق» وصحيفة «أتلنتيك ميديا» وصحيفة «الرأي الآخر» و«صحيفة المجهر الجديد» وصحيفة «أطلس/إينفو» وصحيفة «الضمير» وصحيفة «بويه شو» وصحيفة «موريتانوا» وصحيفة «الشروق الجديد» وعددا من الصحف الأخرى، قررت أنها ستصدر الأربعاء (أمس) احتراما للقراء الذين تتعهد أمامهم بانتظام الصدور بغض النظر عن التجاذبات السياسية».وقال «إنها عشرات الصحف غير المطهرة وغير المعروفة، التي سيكون صدورها الأربعاء حدثا فريدا وسابقة لم تحدث من قبل»، حسب تعبير المدون.ومع ما تواجهه الصحافة الورقية عموما من منافسة شديدة من الإعلام الألكتروني الآني، تعاني الصحافة الورقية الموريتانية من مشاكل بنيوية أهمها مشكل التمويل ومشاكل السحب، وغياب الصحافيين المهنيين عن قاعات تحريرها واستخدامها وسيلة للكسب المادي والتزلف السياسي. وأكدت تقرير أخير للجنة احترام أخلاق وأدبيات مهنة الصحافة المكتوبة في موريتانيا، «أن الصحافة المكتوبة في موريتانيا، تعانى من جملة مشاكل ومصاعب التى تعيق حركيتها وتجعلها غير قادرة على مسايرة التطور الذي يعيشه القطاع ما لم تتم معالجة تلك العوائق».«فخلال السنوات الماضية، يضيف التقرير، وصل عدد التراخيص الممنوحة إلى المئات في الوقت الذي لم يتجاوز عدد الصحف الصادرة فعليا بضع عشرات مقارنة مع هذا الكم الهائل من التراخيص».وصنف التقرير الصحف الموريتانية الخاصة إلى درجات أولاها «صحف تتميز بانتظام الصدور ووجود مميزات مؤسسية متكاملة وتتوفر على مقار وطواقم ولديها إرادة للعمل، وآخرها صحف مدللة أثرت سلبا على دور الصحافة ككل بممارساتها المشينة التي تضر بالصحافة والصحافيين يملكها أشخاص نفعيون انتهازيون لا يتمتعون بأي مستوى ثقافي أو أخلاقي لممارسة مهنة الصحافة النبيلة». وأكد التقرير «أن الصحافة الورقية في موريتانيا تواجه مشاكل منها «ضعف كمية السحب حيث تترواح الكمية المسحوبة من الجرائد المدعومة لدى المطبعة الوطنية ما بين 500 نسخة كحد أدنى و1000 نسخة كحد أقصى»، ومن مشاكلها مشكل الدعم، حيث «أقرت السلطات العمومية تقديم دعم للصحافة عن طريق صندوق الدعم العمومي للصحافة وهي خطوة لاقت استحسانا كبيرا لدى الأوساط الإعلامية من صحافيين، غير أن تسيير هذا الصندوق يتطلب، حسب التقرير، وضع آليات نزيهة وشفافة تحقق العدل والإنصاف في مجال الاستفادة من موارد هذا الصندوق».ومن مشاكل الصحافة الورقية الموريتانية مشكل التوزيع، الذي اعتبره تقرير لجنة احترام أخلاق وأدبيات مهنة الصحافة المكتوبة في موريتانيا، إشكالية لا تقل صعوبة عن الإشكاليات السابقة، حيث أنه «توزيع ضعيف يعتمد على أفراد لا يتمتعون بأية خبرة أو دراية في مجال التسويق كما أنهم يمارسون إضافة إلى التوزيع أنشطة أخرى موازية وأوقات التوزيع محددة عندهم كما أن الموزع يتحكم في عنوان المطبوعة التي يختار توزيعها، وبهذا فالصحف المطبوعة لا تحظى بفرصة العرض والتداول نفسها في السوق».وتحدث التقرير عن مشاكل أخرى كثيرة بينها مشكل التمويل، وغلق مصادر الأخبار، والعزوف عن قراءة الصحف، ومشاكل الإشهار، وانعدام الاشتراكات.