أزمة أسعار النفط ستؤثر على زعامة السعودية في العالم الإسلامي وسيطرتها على منظمة أوبك

أحد, 2014/10/26 - 13:09

لندن – «القدس العربي»: تعتبر أزمة هبوط أسعار النفط العالمية والجدل حولها واحدة من الأزمات الجديدة التي ترتبط بصناعة النفط واستهلاكه في العالم. ولأن السعودية في مركز الأزمة حيث أدى قرارها بالإبقاء على مستوى الإنتاج على مستواه الحالي رغم تراجع الطلب عليه لعدد من التكهنات، ليس لأن السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم حيث تنتج 10٪ منه، وليس لأنها الدولة ذات الاحتياطات النفطية الكبيرة بل لمجموعة من العوامل المتعلقة بوضع السعودية الاستثنائي في صناعة النفط، وكلفة إنتاج منخفضة ومرونة في الإنتاج وقدرة على التعويض عن خسائرها نظرا لاحتياطاتها الهائلة من العملة الصعبة. وطالما لعبت السعودية دورا في استقرار النفط العالمي، وتطلعت إليها الولايات المتحدة للعب دور مهم أثناء الحروب التي مرت على المنطقة منذ حرب الخليج الأولى 1990. ولا حاجة لنا لسرد القدرات الإنتاجية للسعودية، بل لا بد لنا من التذكير بأنها تنتج في اليوم 10 ملايين برميل نفط ولديها القدرة على ضخ 12.5 مليون برميل في اليوم أكثر من أية دولة في العالم، ويطلق عليها بـ «المنتج المتأرجح»، ورغم زيادة كلفة التنقيب والتصدير في السنوات الأخيرة إلا أنها بالنسبة للسعودية تظل أقل من كلفة إنتاج النفط في أي منطقة في العالم. وكسياسة عامة تحتفظ السعودية بقدرة إنتاج اضافية ما بين 1.5- 2 مليون برميل يمكن أن تلجأ إليها في حال الضرورة. وتتعامل السعودية مع هذه القدرة كوسيلة لتحقيق استقرار النفط أو كما سماها وزير النفط السعودي علي النعيمي «بوليصة تأمين» لمواجهة «أزمات غير متوقعة في سوق النفط العالمي» مثل «الحروب والإضرابات والكوارث الطبيعية» وهي سياسة موازية لما يسمى الاحتياط الإستراتيجي من النفط. ومن هنا فالهبوط في أسعار النفط العالمية بنسبة 20٪ في الأشهر عزاه الكثيرون إلى مجموعة من التطورات منها تراجع النمو الإقتصادي في الصين وأوروبا خاصة ألمانيا، زيادة الولايات المتحدة من معدلات إنتاج الزيت الصخري «الخفيف الربط». وأضاف الكثير من المحللين عددا من الأفكار ونظريات المؤامرة حول تعاون أمريكي- سعودي لضرب أسعار النفط الروسية والإيرانية والفنزويلية، واتهمت مصادر صحافية روسية السعودية بأنها تحاول إجبار روسيا على التخلي عن نظام بشار الأسد في سوريا عبر السياسة النفطية الجديدة. فيما اتهم منتجون أمريكيون للزيت الصخري السعودية بمحاولتها ضرب إنتاجهم، حيث حذر بعضهم من انهيار صناعة الزيت الصخري في حال استمرت الاسعار على حالها، فكلفة إنتاج الزيت الصخري في أمريكا والزيت الرملي في كندا عالية، وبقاء السعر في وضعه الحالي يفقد المنتجين قدراتهم التنافسية في السوق أي إغلاق ابواب حقول الإنتاج. ومن هنا فسياسة السعودية في الحفاظ على مستويات الإنتاج في ظل تراجع الطلب العالمي ستسهم فعلا في القضاء على منافسيها من منتجي الزيت الصخري والرملي في الولايات المتحدة وكندا.وكرد على قرارات السعودية قد تلجأ دول أوبك لتبني سياسات تسعير خاصة بها للحفاظ على مكاسبها وتجنب الخسائر مما يؤثر سلبا على وحدة منظمة أوبك. ومن هنا كانت فنزويلا من الدول الأولى الداعية لعقد اجتماع لمنظمة أوبك «الكارتل» الذي يجمع الدول النفطية حيث تستفيد منه للحصول على أسعار جيدة في السوق.بعيدا عن البعد التنافسي في سوق النفط ومحاولة السعودية الحفاظ على أسواقها في آسيا والتي تصدر لها النفط بأسعار مخفضة، يتساءل البعض إن كانت هناك دوافع سياسية للقرار غير نظريات المؤامرة؟صحيح ان الدول العربية استخدمت سلاح النفط أكثر من مرة، فبعد حرب يونيو/حزيران 1967 حاولت الدول العربية معاقبة أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا لدعمها إسرائيل لكن الخطوة العربية فشلت في تحقيق أهدافها بسبب توفر فائض كبير من النفط في السوق العالمي. ولكن الدول العربية نجحت في خلق أزمة نفط عالمية بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. ومنذ ذلك الوقت لم تستخدم السعودية «سلاح النفط» بل ولعبت في الأزمات اللاحقة دور المحافظ على استقرار السوق. ولهذا يمكن تفسير السلوك السعودي الحالي بأنه رد فعل وليس محاولة للسيطرة كما يقول سايمون هندرسون، الباحث في برنامج الخليج والطاقة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. ويربط الباحث هنا القرار السعودية بحسابات داخلية تتعلق بالمشاكل التي تواجهها العائلة الحاكمة من ناحية شيخوخة الملك عبدالله والذي تجاوز التسعين من العمر ويحتاج لعناية طبية دائمة وقلت حركته كثيرا، ومرض ولي عهد الأمير سلمان. ويرى الكاتب أن السياسات النفطية في المملكة يرسمها «المجلس الأعلى للبترول والمعادن» وهو مجلس يترأسه الملك وكبار الأمراء والوزراء المعنيين. ولم يصدر عن المجلس قرارات في الآونة الأخيرة. وترك بالتالي تقدير السياسة النفطية لوزير النفط النعيمي المعروف بكلامه الرصين وتصريحاته المطئنة للأسواق. لكن تصريحات النعيمي على ما يبدو لم تعد ترق لأعضاء في العائلة الحاكمة. ويشير هندرسون إلى رسالة رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال للملك التي عبر فيها عن مخاوفه من شجاعة النعيمي الزائدة عن الحد، وتقليله من خطورة صعود وانخفاض الأسعار النفطية، في إشارة لما نشرته صحيفة «سعودي غازيت» «لا داعي للقلق» وهي تصريحات للنعيمي قيلت في سياق مختلف، ورغم أن الأمير الوليد لا يحتل منصبا رسميا لكن رسالته كما يقول هندرسون لفتت انتباه الملك، خاصة أنها طلبت بطرد الوزير. وفي حالة استمرار انخفاض أسعار النفط فقد يصبح النعيمي كبش فداء. وعادة ما يأتي وزير النفط من التكنوقراط العاملين في شركة النفط السعودية «أرامكو» لكن الملك عبدالله يفضل تعيين شخص من وزارة المالية أو البنك المركزي. فنائب وزير النفط الحالي هو عبدالعزيز بن سلمان، نجل ولي العهد وربما كان من المستبعد اختياره خلفا للنعيمي في ظل محاولات الملك عبدالله تحجيم معسكر والده الأمير سلمان، خاصة بعد تعيينه الأمير مقرن وليا لولي العهد.وكما يرى هندرسون فالسعودية على المدى القصير قادرة على التعايش مع أسعار منخفضة للنفط وبحدود 80 دولارا للبرميل، فاحتياطاتها المالية تكفيها للوفاء لدفع رواتب الموظفين والحفاظ على البيروقراطية والميزانية بدون عجز، وفوق كل هذا إرضاء الشعب الذي رضي برعاية الملك وعنايته مقابل حريات أقل. ومن هنا فاستمرار الأزمة وانخفاض الأسعار قد يؤدي لنزعات احتجاجية وتقوية للمعارضة وربما عودة للعناصر الجهادية. والوضع الحالي لا يسمح للسعودية بالمغامرة في ظل الأزمات التي يسببها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش. وخارجيا ستؤثر أزمة أسعار النفط على زعامة السعودية في العالم الإسلامي وسيادتها لمنظمة أوبك، فحتى قبل أن ينعقد اجتماعها في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني تلوح بوادر أزمة داخل الدول الأعضاء وتحالف تقوده السعودية وآخر تقوده إيران وفنزويلا وهؤلاء يريدون أسعارا مرتفعة للنفط حتى يلبوا احتياجاتهم المالية. في عام 1943 كتب إيفرت لي ديغويلر الجيولوجي الأمريكي المعروف الذي اكتشف النفط في المكسيك، متحدثا عن نتائج بعثته للخليج لتقييم منظور النفط المنطقة والحقول التي اكتشفت في شرق السعودية «إن مركز الجذب العالمي لإنتاج النفط» «يتحول من الخليج الكاريبي إلى الشرق الأوسط إلى الخليج». وكتب عضو آخر في بعثة ديغويلر إن «النفط أعظم هبة للمنطقة عبر التاريخ»، وأثبتت العقود اللاحقة صحة هذه التوقعات، فهو نعمة ونقمة في نفس الوقت، فرغم اكتشاف النفط في السعودية متأخرا عنه في المنطقة (إيران 1908، العراق 1927 والبحرين، 1932) إلا أن السعودية تظل مركز النفط العالمي وقادرة وبحسب تعبير صحيفة «فايننشال تايمز» على إحداث الهزات في واشنطن وموسكو. لكن سيادة السعودية للنفط ظلت محلا للمنافسة وبحثا عن مصادر بديلة وكما يظهر نقاش دانيال يرغين، في كتابه الهام «المغامرة: الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث» (2011)، فقد دفع تركز النفط في منطقة واحدة من العالم تشهد أزمات متكررة دول العالم تبحث وبشكل دائم عن مصادر أخرى ورخيصة عن النفط العربي. فبعد حرب السويس وإغلاق القناة أمام الملاحة الدولية طورت الدول الكبرى ناقلات عملاقة لنقل النفط بكميات كبيرة للمرور عبر رأس الرجاء الصالح. صحيح أن «عطش» الصين للنفط دفعها للتنقيب في كل منطقة في العالم يمكن العثور فيها على النفط، في الصحراء والأدغال وأعالي البحار إلا التطور في وسائل الطاقة البديلة يعتبر على المدى البعيد تهديدا للنفط العربي، ومنذ وصول الرئيس باراك أوباما للحكم والحديث لا ينتهي حول وصول أمريكا لحالة الإكتفاء الذاتي في مجال النفط. ولكن السياسة الأمريكية تظل رهنا بأسعار مستقرة للنفط وتحكم في سوق الطاقة، لكل هذا تعتبر قرارات السعودية مهمة ليس في تطمين السوق ولكن حماية مصالحها والآخرين. 

إبراهيم درويش