معشر المتنفذين أين عقولكم؟!/بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن-اسطنبول

ثلاثاء, 2021/07/20 - 23:21

كان ول داداه إبان حكمه،رحمه الله،أميل فى حالات كثيرة للتفهم والتعايش،و بعد صراع مرير مع حركة الكادحين فاوضها و كسب منها جزءً معتبرا،و لذلك حكم 18 سنة،و رغم ما واجه معاوية من مطبات، حرص على كسب معارضيه و محاورة من ابتغى منهم الحوار،فظل حزب اتحاد قوى التقدم،سفيره لمهام عديدة داخل الجسم المعارض،و قدم الكثير من القرابين السياسية و المجتمعية،من أجل التمسك بدفة الحكم،حيث سهل كسب منافع كثيرة، لصالح من يحيط به،حتى لا تتمحض عزلته.و رغم صرامة معاوية إلا أن يده السحية بالمنافع على الكثيرين،ساعدته إلى جانب طرائق أخرى فى البقاء فى كرسي الحكم، قرابة 21 سنة.و كان الرئيس المؤسس، المختار ولد داداه، رحمه الله، و الرئيس معاوية ولد الطايع، من أكثر الرؤساء الموريتانيين مكثا فى السلطة،و مع ذلك لم يثبت أحدهما فى الدستور أنه رمز محصن إلى جانب رموز الدولة!.و ما توانى أحدهما عن الصبر على الكثير من الأذى ضده شخصيا و ضد محيطه الضيق و ضد أسلوبه فى الحكم،و كنا نسمع و نحن صغارا، أرجوزة الأطفال،الساخرة من الرئيس:"ولد داداه كاس اندر/ جاب ازكيب من لبعر"!،و كان كثير من شباب نواكشوط المعارض،يلقبون معاوية "افيليلى"!،و مع ذلك ما عقدت الاجتماعات المطولة المركزة، لتدبير خطة تحايل على الحريات النسبية المتاحة،ليفضي ذلك لرفع السلطان لمستوى ملك متوج محصن مبرئ من كل عيب!.و فى سنة 1975 عين ولد داده عبد الرحمان ولد إمين سفيرا لدى دولة الكويت،فاعترض بمحكية ذائعة الصيت، الحاكم و الشاعر الديماني،احميديت ولد أحمد العاقل على تعيين ولد إمين،معرضا ضمنيا بكفاءاته،و بدل إقالة احميديت رفع لوظيفة والى!.و ظل الحكام فى كل قطر يتابعون شعوبهم عن طريق تجليات و أنماط احتجاجاتهم،و لو عن طريق النكتة،كما لدى الشعب المصري.فما كان ينبغى تحميل شحنات الرفض و الانتقاد،و لو كان لاذعا،ما لا يناسبها،لأن العجز الحكومي يلزم صاحبه بالتفهم،أما أن يقابل ذلك ولد غزواني بالتعنت و التعالى و تدبيج قرارات لا ضرورة لها إطلاقا،فذلك فن الديكتاتورية و الطاغوتية الخرقاء فحسب.من أتقن مهمته العمومية على أحسن وجه، لا ينبغى أن يتجبر و يغتر،فمن باب أولى!.و من لم يستطع الصبر على الكلفة المعنوية المرهقة المؤذية غالبا،جراء تولى الشأن العمومي،فليقدم استقالته فورا،دون تأخير.و إذا كانت العداوة تضر الأفراد و المجتمعات كما تضرها كثيرا العزلة،فإن الأنظمة يضرها كثيرا و يسقطها أحيانا الاعتماد على الاجراءات القمعية و استدعاء توسيع دائرة الخصوم،خصوصا من الإعلاميين العارفين بتفاصيل المشهد المتوتر المتعثر،أما التصفيق و التغطية و التدليس و التلبيس فيضر أكثر مما ينفع،و هو فحسب على منحى و منهج النعامة التى يطاردها الصياد عن القرب،فتلحأ للإيغال برأسها فى التراب،و تعتقد حماقة،"الصياد لا يرانى".و قد بات رأس النظام الحالي و بعض أعوانه المقربين معتزا بامتياز،بالتهديد بآليات القمع المتنوعة،ضمن جو من تعاضد القرائن،الشاهدة بأن رئيسنا الحالي و قادة النظام المتحالفين معه، لا يتمتعون بشهادة مفحمة على حسن السلوك الديمقراطي و قدرة التعايش الإيجابي مع الرأي الآخر،و يفضل كثير من عتاة الرأي الأحادي التضييق المعنوي والغبن المادي ضد مخالفيهم فى الرأي و التوجه.و باختصار فى غياب النجاح التنموي المقنع و التنفيس ،ستبقى الأجواء مرشحة للتصعيد نحو المجهول،لا قدر الله.و مع مرور الوقت،قد يكتشف النظام،و لو فى وقت متأخر ،ضرورة التعقل و الابتعاد عن الإجراءات الحالية التأزيمية المقلقة.