رحلة بطعم التأمل/عبد الفتاح ولد اعبيدن-اسطنبول

أربعاء, 2022/01/19 - 12:45

غادرت بلدي يوم الاثنين،على ما أذكر، 15/2/2021،و حططت رحلي فى اسطنبول فى اليوم الموالى،حيث أقمت فيها، حتى الآن ،لله الحمد و المنة، قرابة سنة ،فى عافية و رخاء و أمن،و بطبعي أخطط نسبيا، لكن المخطط قد يختلف من بعض الأوجه،فتبدأ بعض الدروس تقطر تباعا،و عندما يلتئم أي نقص،يذهب الحرج،لكن يبقى الدرس و المعنى.فى اسطنبول تعلمت الكثير فى هدوء!.لقد تعلمت أن العهد لا يمتلكه غالبا إلا الصامتون الوقورون،كما تعلمت أهمية عدم المبالغة فى طبيعة نظامنا السياسي الموريتاني،فليس متماسكا لحد الإعجاب و القوة،و ليس ضعيفا خاويا تماما.و فى موريتانيا،يفضل التعامل المتذبذب مع العلاقات البشرية،فهي أقرب لمنطق البداوة و التقلب،من منطق الحضارة و الاستقرار.و تعلمت من خلال هذه الرحلة أن الموريتانيين فى السنوات الأخيرة،فقدوا الكثير من القيم التقليدية،بعد تراجع منسوب التدين الناصع و بسبب ضغط الحياة ربما،و هذا مؤلم و تفاصيله مقززة،لكنه هو الواقع،للأسف البالغ.لن تجد من ينصفك إلا نادرا،و يلزمك ذلك دائما أن توسع صدرك، لتبقى لك صلات قريبة أو بعيدة،و ما لم تصبر و تصبر كثيرا،فقد ترضى رغبة الانفعال و القصاص،لكنك ستخسر المجتمع كله تقريبا،إن لم تصبر و تتغاضى،فكما يقال،سيد قومه المتغابي.و كنت أعلم و ازددت علما بذلك المعنى، أن مرتكز حياة الناس اليوم،هو الاستقلالية و الدرهم،و رغم ذلك سيبقى الخير فى أمة محمد ،صلى الله عليه و سلم إلى يوم القيامة،و بشهادته،صلى الله عليه و سلم:"في الخير و فى أمتي إلى يوم القيامة".و مما يستحق الإشارة،رغم بعد الشقة،ما بين البلد و اسطنبول بتركيا،ظللت،لله الحمد و المنة،على تواصل يومي غالبا،عبر الواتساب،باثنين من معارفي، من الدائرة العائلية(سيديا ولد سعدبوه ولد سيدباب و الحضرامى ولد دداهى ولد أحمد للطلبه).و لعل الغربة دائما تشعرك ببعض الوحشة.لكن التواصل المستمر مع ذينك الأخوين، حفظهما الله و رعاهما،أعطاني فرصة التواصل و تبادل التحايا و المستجدات يوميا،ما شاء الله.و فى عالم يندر فيه الوفاء،يكبر فى نفسك اهتمام من يخالف نهج الإهمال و التجاهل.و الحمد لله، على بقية الخير فى بعض النفوس،فنظامنا الاجتماعي يضمر تدريجيا ،و يتجه نحو العزلة و الخلفيات الربحية الأنانية الضيقة!.و لا أريد أن يفوت القارئ أنى أصدرت ثلاثة أعداد من جريدة الأقصى فى اسطنبول،على منوال،التعداد السابق فى موريتانيا،لتصبح الأعداد،1119/1120/1121.و فى الجانب العلاجي،لاحظت فى تركيا عدم الحاجة للوسطاء،الذين ينتهزون فرصة معاناة المسافر من أجل صحته،مثل ما قد يحصل فى تونس أو السنغال،و رغم الحاجز اللغوي و حرص الاتراك على التحدث فحسب بلغتهم،إلا أن بعض السوريين على مستوى المستشفيات و العيادات التركية، يوفرون الترجمة،حيث تكتتبهم تلك المؤسسات الصحية، للتواصل مع زبناءها،و لازالت تكاليف العلاج هنا فى تركيا مرتفعة نسبيا،رغم مستوى الأداء العلاجي المقبول عموما.و قد لا حظت فترة تواجدى هنا فى اسطنبول أن النافذين هنا من الجالية،لا يرغبون فى تنظيمها،ربما تفاديا للحرج،و هي طبيعة بدوية، سيدفعون ثمنها و سيندمون عليها فى وقت، قد لا تسعفهم الأحوال، لتجاوز التقصير المترتب،على اقتناص اللحظة المناسبة،و رغم وجود بعض المهاجرين منذو القرن الماضى فى أضنه فى الجنوب التركي،إلا أن بعض الموريتانيين الوافدين منذو 2010 تقريبا، يعملون فى قطاع الشحن، من خلال مكاتب أنشأوها لذلك الغرض،و هناك طلاب يدرسون فى مختلف المدن،و يفتقد هذا الوجود الموريتاني تنسيقا و ترابطا ذا بال،سوى بعض العلاقات الشخصية.و رغم  زيارات الشيخ الفاضل، محمد الحسن الددو لاسطنبول، من حين لآخر،إلا أن دوره التواصلي مع الجالية محدود، و يقتصر على بعض معارفه.و أما السفارة فتقتصر على المهام الدبلماسية التقليدية،و هو واقع عموما، يستدعى فتح قنصلية فى اسطنبول،على غرار دول أخرى كثيرة،كما يستدعى تحرك الدولة الموريتانية لرفع التأشيرة بين البلدين و تسهيل المهام العلاجية و الدراسية و التجارية،عبر اتفاقيات مشتركة،عسى أن تتحسن وضعية الموريتانيين هنا،بإذن الله.و عموما يلاحظ أن تركيا أكثر بكثير استفادة من علاقتها معنا،بالمقارنة مع مستوى صلاتنا بها،رسميا و شعبيا.