مفارقة سياسية تاريخية/ محمد بن ناجي

ثلاثاء, 2019/08/13 - 16:57

لا أعتقد أن العنوان مغر بالنسبة للقارئ والمتصفح الموريتاني، فالمفارقة والمفصلية والتاريخية وغيرهم عبارات مُلاكة, وجرى استخدامها  بدرجة فوق المقبول والمعقول, حتى أنتزع منها المعنى والدلالة والمبنى.

للمرة الأولى في التاريخ السياسي الموريتاني تتقاطع الأغلبية والمعارضة في هدف واحد, فبعد عشر سنوات من التعاطي السياسي بين المعارضة الموريتانية ونظام الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز لم تتجسد قواسم مصلحة مشتركة يتلاقى في الطرفان, أو تتلاقى فيها الأطراف السياسية نحو هدف مشترك يخدمهم جميعا.

 

حكومة فنية, وإرهاصات عدم الرضى

عيَن ولد الشيخ الغزواني وزيرا أول, وحكومة فنية في أغلبها, وبغض النظر عن دقة ذلك من عدمه, هناك عامل أساسي جعلها تبدو فنية, أو تكنوقراطية, لأنها لم تلبي طموحات الساسة والسياسيين من أحزاب وكتل وتيارات في مسألة التعيين, فباتت بالنسبة لهم حكومة فنية لا تستحق التعيين, فهي حكومة لم يقدم أغلب أعضائها دورا هاما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لإنجاح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ووصوله سدة الحكم, كما أن بعض أعضائها لم يكن من السبّاقيتن في إعلان دعمه ومساندته لولد الغزواني من منظور ساسة في الموالاة, ولا يفوتني التذكير هنا أن اعلانات المساندة والدعم بدأت بأشهر قبل إعلان الرجل رسميا لترشحه, وعلى هذا الأساس طبق البعض حسابات خاصة على أساسها صنفت من يستحق التعيين ومن لا يستحق, وهي حسابات مبنية على سبق الدعم, أو مفهوم "من شهدوا بدراً".

 

وبحساب بعض التصريحات والتدوينات الشخصية في صف الموالاة التي حصلت بعد إعلان تشكيلة حكومة ولد الشيخ سيديا, فلم يعد  خافيا على المتتبع, الامتعاض الحاصل في صفوف الأغلبية والموالاة والكتل والتيارات والحركات والمبادرات التي دعمت ولد الشيخ الغزواني, فالسياسة في موريتانيا مبنية على النصيب من الكعكة.

 

صمت مربك, ورسائل مساومة وطمأنة

 

الخوف من السلطة وضرباتها تحت الحزام, أو الخوف على المصالح وما يضمره الرئيس الجديد الذي لم يعلن لحد اللحظة عن نواياه الحقيقية حول طريقة إشراك داعميه, وغموض الرجل البعيد عن الأضواء, عوامل مازالت تكبح جماح التصريح العلني بعدم الرضى داخل الأغلبية عن الحكومة التي تم تشكيلها, وربما حسب البعض هناك احتمال قوي بحجب البرلمان لثقته عنها, وهو أمر وارد من الناحية النظرية, وليس من الناحية التاريخية, وإن كان مجلس الشيوخ الموريتاني سابقا قد خالف التوقعات العملية والتاريخية.

 

التصريحات الأخيرة لبعض نواب الاتحاد من أجل الجهورية والتي أكدوا من خلالها أنهم سيصوتون لحكومة الوزير الأول, لا يمكن تجاوزها واعتبارها تسجيل موقف, بل تسدعي الكثير من التفكيك والمعالجة وجمع الأجزاء والتفاصيل حتى تتضح الصورة الكاملة, ولست بصدد ذلك, فهو مبحث أخر.

 

لقد شكلت كل العوامل التي أوردناها أو أوردنا بعضها أرضية مصلحة مشتركة للساسة وهدفا لهم, ويتجسد ذلك في أهمية إطلاق حوار سياسي شامل, فهو من ناحية فرصة ومطلب لدى المعارضة ورهانها على العودة والتأثير والمشاركة الفعالة, وهو أيضا فرصة للأغلبية للفت نظر الرئيس  إلى أهمية دورهم ومحوريته, وفرصة للتموقع الجيد وفهم تصورات ولد الشيخ الغزواني السياسية, فالمخاوف من أن يكون اعتماد الرجل للشخصيات الفنية منهجا لديه لم يعد خافيا في صفوف داعميه من متصدري المشهد السياسي طيلة الفترة الماضية.

 

هواجس مبررة

لا شك أن تعيين الحكومة أوضح جانبا هاما من المشهد السياسي, وغير ركنا ثابتا من العشرية الماضية, فحزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم يعد الحزب الحاكم, لأن تشكيلة الحكومة لم تعد كلها من الاتحاد كالسابق, وليس من الوارد أن تكون كذلك مستقبلا, أو هكذا يبدو على الأقل من الناحية المنطقية على ضوء طبيعة أول حكومة لولد الغزواني, وهذا ما باتت تدركه صفوف في هذا الحزب الذي أصبح مقطورة زائدة تحمل  ساسة المرحلة الماضية إلى المجهول, ويستعد البعض للقفز منها في مقطورة المرحلة التي لم تتضح بعد.

 

أعداء حوار الأمس, دعاة مستقبليون لحوار اليوم

لا شك أنها مفارقة سياسية تاريخية في البلاد, أن يشكل الحوار حلا ومصلحة للجميع, حتى لمن كانوا يعملون على افشاله بالأمس, وسيسعون اليوم للعمل على إطلاقه, وليس ذلك حبا للمعارضة ولا فهما جديدا لضرورة اشراكها, وإنما سعيا لاستعادة النسق القديم وإن بصيغة مختلفة تمليها المرحلة وتغير المعطيات.

 

وسيشكل الحوار الذي بات اطلاقه ضرورة بالنسبة للجميع تحديا حقيقيا للمعارضة الموريتانية حول صدارتها.

 

لكن السؤال الأهم, هل وضع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني هذه المآلات في حساباته؟ وكيف سيدير تلك المرحلة, وهل كان مدركا أن اختيار حكومة فنية, اختيار على حساب الحكومة السياسية؟