من أطار إلى أوجفت /بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

جمعة, 2016/12/02 - 14:01

رغم تغيبي عن محطة شنقيط وشوم، اضطررت هذه المرة على خلاف المعتاد، حضور زيارة ولد عبد العزيز إلى ولاية آدرار، رغم أن عزيمتي على زيارة أطار في هذه الفترة، لم تكن مرتبطة بالسياسة، وإنما قررتها قبل ربما أن يقرر ولد عبد العزيز التوجه إلى آدرار، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

وباختصار، كانت زيارة آدرار بوابة مؤامرة للبقاء في السلطة بلا حدود، فولد محم لا يمكن أن يعبئ ويحرض بعض المتدخلين، وبعدد معتبر لطرح هذه المسألة "المأمورية الثالثة فما فوق"، أمام الرئيس المتغلب محمد ولد عبد العزيز، دون تنسيق مع الأخير .

فالوضع أقل ديمقراطية مما يتخيل البعض، وإنما حسب رأيي الخاص، ما حصل من ترديد المطلب المثير، إبان لقاء الأطر بأطار، ليلة الاثنين 27 نوفمبر2016، كان مبرمجا بدقة وعناية وبعيدا عن الفجاجة والارتجال، بغرض القول لاحقا مطلب شعبي متواتر، لا نرغب فيه وإنما أراده الشعب الموريتاني لنفسه، وإرادة الشعب فوق إرادتنا جميعا، والسياق المفترض يعود للمعنيين بتدبير خطة المأمورية الثالثة.

وقد يظل طبعا ولد محم وعزيز بعيدين عن التصريح المباشر لهذا الخرق الدستوري السافر، وذلك ضمن خطة جهنمية متقنة السبك، سيئة العواقب والخواتيم، على هذا البلد المسكين والشعب البسيط البريء المغرور.

وقد بات من المؤكد أن نار الخلاف على هذا الموضوع الحساس جدا، لا قدر الله، ستشتعل بمجرد تصريح الجهات المعنية، بتبني هذا المطلب المثير السخيف ودمجه رسميا مع محتوى الاستفتاء المرتقب، قبل نهاية السنة الجارية أو بداية القادمة على أعلى وأبعد توقع واحتمال، تمهيدا لانتخابات برلمانية وبلدية سابقة لأوانها، لإحراز الأغلبية مجددا، لصالح هذا المتغلب الأحمق المتهور.

على هذا المنوال لعبت مبادرة "أمل" والحزب الحاكم من خلال رئيسه ووفده واتحاديته الجهوية في آدرار، الدور الأغلب، لتمرير هذا الطرح المثير بامتياز، حيث تحدث شخصيا رجل الأعمال الشهير الملقب "ولد جيلي" محمد عبد الله ولد انتهاه، مؤكدا دعمه الصريح الجازم لهذا التوجه الغريب، طبعا بترشح عزيز لمأمورية ثالثة.

كما أن ولد اخطيره سار على نفس المسار، وإن بصراحة أقل، وهو مستشار لدى ولد حدمين، الوزير الأول المثير، الذي تحايل منذ مطلع سنة 2016 على مخصصات الصحافة المستقلة.

حيث أن ولد اخطيره فضل التلاعب بالألفاظ المؤدي للمعنى المطلوب، بشكل شبه صريح، دون أن ينطق بهذه الفاحشة السياسية المنكرة الرعناء، الواطئة السقوط وقلة الحياء.

أترى من أساء أكثر مما أحسن في سابق حكمه، أأفضل التخلص منه وتوديعه بهدوء، أم توريطه وتوريطنا من خلال بقائه في الحكم؟

لكنه عمى البصيرة والنفاق والتزلف الأعمى بلاحدود، على رأي البعض، اللهم أجرنا، وأخرجنا من هذا النفق المظلم المعتم المخيف، غير فاتنين ولا مفتونين.

ومن وجه آخر كان الصراع بين بعض "إديشلي" وبعض "اسماسيد"، واضحا على تصدر واجهة النفاق هذه، بل ادعى الشيخ المتحدث في لقاء الأطر ولد الفروي، أنهم أصحاب الأرض وغيرهم لا يملك إلا "التصفاك"، ومن المتوقع حاضرا ومستقبلا والكلام لنا في هيئة التحرير أن يكون الواقع المفحم حكما فصلا بين الطرفين يوما ما، لكن آخرين يرون عدم صواب هذا الخلاف، بل عدم جديته، لتشابك الصلات العائلية والتاريخية بين هذين الفصيلين العائليين، وإن بذل بعض "اسماسيد" الموالين للمتغلب جهدا كبيرا لإظهار وزنهم ودورهم، إلا أنهم لم يتفوهوا بكلمة ضد أي كان، على خلاف تصريحات ولد الفروي المتفلتة أحيانا.

ولاشك أن الضعفاء على الأرض، متصالحون وبعض طلاب الأغراض الأنانية الضيقة قد يدفعون أحيانا الأمور للتصعيد على حساب الأغلبية المسالمة، غير المستفيدة غالبا من مثل هذه السياسة الشعبوية، كما يدفع بعض المتدخلين لقول وإيصال ما لا يرضى "الزعماء" لأنفسهم قوله، لكن الرسالة وصلت، فشكرا معشر الأخوال الكرماء الأشاوس، إننا نحب "إديشلي" جميعا ودون استثناء، بمن فيهم ولد الفروي المدفوع للواجهة، ولو كانوا أحيانا مخطئين أو غاضبين، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، لكن أثر "اسماسيد" في أرض موريتانيا كلها، غالبا بإذن الله، كالغيث المبارك فحسب.

و"اسماسيد" دورهم التوازن والإنتاج وإعمار الأرض والإنفاق، وليس الواجهة، ووصول الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمدولد الطايع، كان إجتهادا شخصيا، على رأي البعض، أضرنا أكثر مما نفعنا، ولا نحب لغيرنا بالمعنى الواسع، إلا الخير، ولا يجتمع إثنان منا على مؤامرة ولا نعيد التلميح ولا الإشارة، بما أحسنا به لأهل آدرار أو غيرهم، ومن شاء أن يتصدر المشهد فليتقدم والكلفة معروفة كبيرة، وما قام به محمد ولد نويكظ وشقيقه بهدوء وصمت رغم غيابه عن لقاء الأطر وغياب أخيه لا يقدر بثمن في باب الضيافة والإنفاق، وفائدة ذلك في باب الاستقبال و"السترة" على رأي البعض لصالح آدرار برمته، وعموما المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفا، خصوصا إذا كان ذلك في زمن الفتنة، وإصرار ولد محم على ّادهري" صهرنا المغفل المريض بشهوة المال والحكم "ولد عبد العزيز" أبعده الله عن هذا الأمر، غير فاتن ولا مفتون، حفظه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما مرحلة أوجفت فكانت أقل حدة، في الدعوة للمأمورية الثالثة، وقد يفسر ذلك، بأن ولد محم المكلف بأختام خرق الدستور، متأثر ببعض السوابق السلبية الخلافية مع بعض أطر أهل أوجفت، خصوصا يحيى ولد عبد القهار ومحمد محمود ولد براهيم اخليل، ولم يفاتحهم ولم ينسق معهم عموما، في الإنقلاب الدستوري المزمع، وإنما كان السبق لأهله وأخوال "اسماسيد" إديشلي وجيرانهم "أولاد غيلان" وغيرهم من سكان أطار عموما ونخبته المتصدرة للمشهد، بينما كان صوت المأمورية الثالثة شبه خافت في عموم لافتات استقبال أوجفت.

وقد حرص جميع أهل أوجفت من مختلف مشاربهم، على إتقان جانب الضيافة والإستقبال للزائر والمصاحبين له، ونعني طبعا ولد عبد العزيز ومن جاء معه.

ولعلي لا أفرط في هذه الفرصة، لأقول لمن توهم الإساءة من ما كتبت سابقا بعنوان: " زيارة ولد عبد العزيز لأطار تثير الخلافات داخل "اسماسيد".

فقد إعتقد البعض أني قصدت الإساءة، من خلال وصف أوجفت بـ"الحاضرة"، راجعوا المقال جيدا وأرجعوا إن شئتم إلى القاموس، لمن أراد أن يتأكد ويطمئن للدلالة الصحيحة البريئة لكلمة "حاضرة" في هذا المقام، وفي المقابل إن أصر البعض على أن كلمة "حاضرة" تنقيص من مكانة المقاطعة العريقة أوجفت، فأسجل هنا اعتذاري بصراحة، مؤكدا –حسب تصوري الخاص- أن أهل أوجفت بجميع مشاربهم بإذن الله، أهل مقاومة وسبق في هذا المضمار الجهادي، وخصوصا "أهل التناكي"، حيث كان وفد الشهيد سيدي ولد مولاي الزين الذي قتل كبولاني  12 مايو 1905  والمشكل من 24 شخصا، ثمانية عشر منه من فخذ "أهل التناكي" إديشلي، تقبل الله من الجميع العمل الصالح.

وأما "التصفاك" و"اتلحليح" منذ 3 أغسطس2005، تاريخ وصول المتغلب الإنقلابي ولد عبد العزيز للحكم، فهذا أمر لا يخص أحد بعينه ولا مدينة دون أخرى، وإنما مذهب متواتر للأسف في هذه البلاد، المنكب البرزخي، الذي طبعته "السيبة" وقتا وعدم الإستقرار فترة طويلة للأسف قبل قيام الدولة الوطنية، وتركت تلك المرحلة آثارها، ومازالت تفرخ وتتوالد وتترسخ دون جدوى كبيرة للخلاص من هذه الظاهرة المقلقة على مشروع الدولة الموريتانية وكرامة الموريتانيين عموما للأسف البالغ، ومازال قانون "الغابة" هو المعمول به في أغلب الأوقات، ودأب ضحايا اللعبة على المبالغة في الولاء الكاذب غالبا، ولو كان أيضا غير مقبول عند المعني بالتزلف والنفاق، وإنما قصد به نقص الضرر ،وللتذكير العدل أساس الملك، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.