"السفير" تعيد نشر مقابلة مع العلامة الراحل محمد سالم ولد عدود حول حادثة "لمغيطِّ" الدامية

ثلاثاء, 2016/11/08 - 12:06

المرحوم العلامة محمد سالم ولد عدود غني -بالفعل- عن التعريف، عرف بغزارة العلم وبتمثل القيم الإسلامية السمحة قولا وفعلا.. له رؤيته الموضوعية للأشياء، من زاوية العالم الفقيه المتبصر..

تتشرف "السفير" بإطلالته على قرائها في هذا اللقاء، حول حادثة "لمغيطِّ" الدامية.

السفير: قد لا نجد مدخلا للحديث عن الحادثة، لذا نرى أن نترك لكم الكلام ..

الشيخ محمد سالم ابن عبد الودود: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خاتم النبيين، وعلى آله ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد فإننا نأسف -كل الأسف- لأن يُعْبَدَ اللهُ سبحانه وتعالى بالمعاصي، وأن يجاهد في سبيله بما حرم في كتابه؛ قال الله سبحانه وتعالي: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسَلَّمةٌ إلى أهله إلا أن يصَّدَّقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}.

وقد حرم الله سبحانه وتعالى قبل النفس المؤمنة بغير حق، وحرمه رسوله صلى الله عليه سلم، وأعلن ذلك في خطبته إثر حجة الوداع؛ إذ قال -وهو على راحلته بمنى- بمحضر حشود المسلمين الذين ضمتهم وإياه حجة الوداع: "أي شهر هذا" قالوا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال: "أليس ذا الحجة" قالوا: بلى قال: "أي يوم هذا"؟ قالوا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال: "أليس يوم الحج الأكبر"؟ قالوا بلى ثم قال: "أي بلد هذا"؟ فقالوا الله ورسوله اعلم. ثم سكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال: "أليس البلد"؟ قالوا بلى. قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى يوم تلقون ربكم كحرمة شهركم هذا في يومكم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب". أجل! قد بلغ صلى الله عليه وسلم، وبلغ الشاهد الغائب، وبلغ هذا من أمره صلى الله عليه وسلم مبلغ الليل والنهار. وقد حدث صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج في آخر الزمان ناس وصفهم بأنهم "سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يقولون من خير قول البرية يمرقون من الدين مروق السهم من الرمِيَّة يقتلون أهل الإيمان ويتركون أهل الأوثان.." فنحن نأسف كل الأسف.. تكاد قلوبنا تتفطر، وأكبادنا تتحرق، أن يقتل المسلم المسلم، وأن يعتدي على مسلمين بريئين غافلين؛ فتستباح دماؤهم من غير حق؛ تستباح دماؤهم من غير أن يقتلوا نفسا بغير نفس، ومن غير أن يمرقوا من الإسلام، ومن غير أن يزنوا محصنين!! وقد حرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس المؤمنة إلا بكفر بعد إيمان، أو زني بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس. نأسف لهذا كله؛ ونترحم على هؤلاء الذي قتلوا بغير حق، ونعزي أسرهم، ونعزي المؤسسة التي ينتمون إليها، ونعزي القائمين على شؤون هذا البلد.. ونسأل الله تعالى لهم الصلاح والتوفيق والتسديد والبطانة الصالحة.

السفير: عرفناكم داعين للعلم والفضيلة والسلم المدني.. ما نصيحتكم للأمة في أعقاب هذه الفاجعة؟

الشيخ محمد سالم: نصيحتنا لهذه الأمة؛ التي جزء من الأمة الإسلامية، وجزء من العالم العربي، وجزء من الإنسان.. أن تكون يقظة ساهرة على حدودها، وتذكي العيون، وتسد الثغور، ولا تسمح لمثل هذه الفاجعة أن يتكرر.

السفير: لو أراد قراؤنا تحديد موقع "لمغيطِّ" جغرافيا فما هي مساعدة الشيخ لهم في صحراء لاشك أدرى بشعابها؟

الشيخ محمد سالم: هذا الجزء من الصحراء ما جلت فيه؛ أنا أعرف تريس الغربية إلى حدود ما يسمى بـ"إجبلان" أما ما شرقي ذلك فلم أَرُدْ فيه في صغري، ولم أزره في كبري؛ ولكن معروف أن هذه المنطقة على الحدود بين بلادنا وبين الجزائر، فيما بين حدود ثلاث ولايات: ولاية تيرس، وولاية آدرار، وولاية الحوض الشرقي؛ فهي -تقريبا- أقصى نقطة في الشمال الشرقي من ولاية تيرس، وأقصى نقطة في الشمال من ولاية آدرار وتكانت، وأقصى نقطة في الشمال الغربي من ولاية الحوض الشرقي.

السفير: ربما أخذنا أكثر من نصيبنا من وقتكم الثمين، ولاشك أن طلاب المحظرة في انتظاركم، فهل من كلمة موجهة للجميع؟

الشيخ محمد سالم:  الكلمة الموجهة للجميع: أن نتآزر، ونتعاطف، ونتراحم، ونكون -كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصفنا- "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" فنتألم لهؤلاء القتلى، والجرحى، والأسرى، والمفقودين؛ ونتألم لأسرهم؛ ونرجو الله تعالى لهم المغفرة والرضوان؛ ولأسرهم الصبر والسلوان؛ وندعو إخواننا في هذه البلاد؛ في الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ وفي الدول المجاورة لها -والمشتركة معها في الحدود- إلى اليقظة والسهر على الأمن، والضرب على أيدي المفسدين، وعدم إتاحة أية فرصة لهم في المستقبل، ومعاقبتهم بما يقتضيه الشرع الحنيف. قال الله سبحانه وتعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ...}

وقد عظم الله تعالى في هذه السورة القتل فقال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الاخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطتَ إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين من أجل ذلك كتبنا على بني إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا(.

حوار عبد الله ولد اتفاغ المختار

 

السفير؛ العدد: 125 الصادر بتاريخ: 09 يونيو 2005