الحوار أو المؤامرة/ بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

خميس, 2016/10/06 - 15:49

من يتخيل أن ولد عبد العزيز سيتخلى عن السلطة طوعيا واهم، ولا يتمتع بأدنى مستويات الصحة العقلية، وما حدث هذا في الوطن العربي إلا لماما أو نادرا، ومن قبل الضعفاء أو النزهاء في نظر البعض، حيث خرج أعل ولد محمد فال مرغما، على رأي البعض، وتركها ولد أحمد لولي مزاحا في نظر آخرين، وعلى الصعيد السوداني،  فضل سوار الذهب العافية على الفتنة، نزاهة وتوفيقا، كما يدعي بعض المحللين، ولكن المتأمل في حروق صالح العسكري اليمني المتهور، وما سلكه من دروب ضد شعبه ووطنه، وما نسجه من تحالفات مثيرة من أجل السلطة، لا يكاد يصدق أن تلميذ السيسي في موريتانيا، سيتخلى ببساطة عن القصر الرمادي في نواكشوط.

وقتل السيسي كثيرين في ميادين رابعة والنهضة من أجل الهيمنة على السلطة، وكبل آلاف الرجال والنساء والأطفال وألقى بهم في غياهب السجون وإلى اليوم، منذ 3 تموز 2013، ولينظر الطالب للاعتبار والفهم والاتعاظ التجربة السورية وعدد الضحايا بين الطرفين، ضمن صراع سيزفي على السلطة والنفوذ.

هذا ما نتصوره وما نتوقعه من استبعاد وصعوبة تخلي( صاحبنا)، مهما سربت المخابرات محليا عن فحوى مجلس الوزراء الأخير، ولقائه مع ولد محم أو غيره.

فالرجل محل الجدل مصب أربع طباع أو أكثر، مثيرة عميقة في مجملها.

أولها السجية الذاتية من حيث طبيعة الأسرة في بعض القصص والسير والروايات المختلفة، وألسنة الخلق أحيانا مداد الحق، وأمتي لا تجتمع على الضلال والعبث، وربما لأن التواتر مفحم، وإن كان لكل قاعدة شذوذ.

 فما يروى علنا أو سرا غالبا من قبل الكثيرين أن عزيز ابن بيئته، شحيح سهل الصدام والطيش، متآمر، متنوع الطبقات المزاجية، ولا يكاد يعرف له كنه ثابت إلا الغدر والبخل على رأي البعض، أو هذا ما يقال عن بعضنا لا كلنا، ولن نخدع بسهولة.

والسباعيون شرفاء طيبون ولكن كما قال الإمام بداه ولد البصيري –رحمه الله – "لكل قوم سفهاء"، والأغلب الأعم، لا ينفي طباع الأقلية.

عزيز ذو أصول مغربية أو الزنوج البيض، فجده مغربي الأصل قادم من مدينة شيشاوة المغربية، أيام كانت قرية بضواحي مراكش، كما أن عزيز لوكي، مولدا وتربية وثقافة، مثل ابن عمه محافظ البنك المركزي الحالي وبعض أولاد اللهاه المثيرين، أي من اللوكه ودار مفتي محرفة، لتصبح في نطق لكور(دار مستي).

عزيز كان في الصغر متنوع المزاج، غريب الأطوار والطباع، شاذ الحلاقة والأحوال، بشهادة الكثيرين، يطبق دروس مراهقته في اللوكه وسينماها تحديدا، يطبقها في ساحة الحكم المغتصب في نواكشوط وببساطة واستدراج خادع، له ولغيره (أم السارق ما تم ألا امزغرت)، ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك.

على كل حال موريتانيا مختطفة بين أيدي خليط، ومن بينهم ولد محم المتردد أصلا ما بين نقاط عدة ومنابع متنوعة، بتلميت المولد ومسقط الرأس تحديدا(أحواش أهل الشيخ سيديا)، وأوراقه المدنية معدة في بوكى، والمنبع الثالث أطار الذي نقل إليه الورطة، حيث الأصول ومعترك التزوير الانتخابي، ضد ولد سيدباب وولد برُّ ما بين جولات الانتخابات النيابية 2006 و2013.

ومن بين أعضاءالفريق الوزير الأول الحالي يحي ولد حدمين، سمسار عزيز أيام ATTM، بوجه خاص، ولا يمكن تجاهل الأمين العام لرئاسة الجمهورية ملاي ولد محمد لغظف، وما يتمتع به من هدوء وطمع وحرص، حسب ما يروج له البعض.

هؤلاء قوم بور في نظر مخالفيهم وتغلبهم على رأي البعض عقاب من الله، ربما بسبب شيوع الزنا وزنا المحصنات والحرائر بوجه خاص، وانتشار وفشو الربا وبإيجاز عدم تطبيق شرع الله.

 فكيف ما تكونوا يولى عليكم .

هذه هي القصة، ابتلاء بل وبلاء صريح لا قدر الله، والمنافقون قصتهم معروفة منذ أيام المدينة المنورة، وهم أول من سينقلب على ولد عبد العزيز، يوم الانقلاب المرتقب الوشيك، لا حفظ الله لصوص المال العام والشأن العام، الذين أرهقونا صعدا، اللهم آمين.

يقال ويروى،على نطاق ضيق ، أن عزيز في اجتماع حكومته الأخير، جلس خطيبا، على خلاف هيئة الخطابة الجادة وقوفا، صاح فيهم "اسمعوا وعوا، ستسمعون عني الكثير من الغرائب، سواء عن المأمورية أو غيرها، عندما تنطلق جلسات الحوار المرتقب بدايته هذا المساء، ولكن أحفظوا عني جيدا سألتزم بالدستور بمغادرة السلطة، عندما تنتهي المأمورية الحالية ".

فوجم ولد حدمين وصمت مستغربا، وعلى منواله سار مختلف الوزراء، بينما تدخل فقط وزير الخارجية إسلكو ولد ازيدبيه ووزيرة التجارة الناها بنت مكناس، فأكد الأول ثبات ومبدئية مواقف رئيسه، كما أكدت بنت مكناس نفس المعنى، مشيرة إلى فراغ السلطة بعد ذهابه عنها، بعد تطبيق هذا القرار الصاعق في نظرهم.

لا قرار ولا موقف وما يجري مجرد سيناريو مركب ومكشوف وهش، قد يؤدي إلى شبه فتنة عابرة، يذهب على أثرها عزيز إن شاء الله، وربما غير مأسوف عليه، حتى من قبل المتباكين ظاهريا، ليكفي الله المؤمنين القتال، ويخرجنا رحمة منه ولطفا وعفوا من الضيق إلى الفرج، غير فاتنين ولا مفتونين، ولن تنجح،بإذن الله ،  مخططات الأطفال، اللاعبين بالنار في قصر المؤتمرات.

كيف؟ اللهم أعلم.

هذه مجرد توقعات غلبت على نفسيتي، وليس من طبع خاطري أن يعمر ب"الخاويات"، كما يقال في المثل الحساني السهل الممتنع.

اطمئنوا، سفينة الشأن العام  في طور الاضطراب، وخصوصا في المنعطف الراهن، ولو ظاهريا، لكنها سترسو على شاطئ الأمان إن شاء الله.

والجيش سيتدخل لإنقاذ الموقف بحسم، وإذا جاء القدر ذهب السمع والبصر، ولا نريد انقلابا جديدا ثم انتقالا آخر، وهكذا دواليك، ضمن حلقة مغلقة، لكنها قصة موريتانيا باختصار، ما لم يصاحب الانقلاب الوشيك المرتقب، جهدا بشريا معارضا راديكاليا، واعيا يشرك حتى بعض الموالين الحاليين، لصنع انسجام عام، وحتى مع المؤسسة العسكرية، للتوصل إلى تفاهم وطني شامل، جاد حقيقي منقذ بإذن الله، دون إقصاء أو تصفية حسابات، ولو ضد مافيا عزيز، وإنما الأحكم الأسلم، ضبط الأعصاب بعد سقوط الصنم المعبود حاليا، على نسق عبادة بعض قوم موسى للعجل وخواره.

لعلنا بهذا التسامح نخرج من الحكم العسكري الفاشي المتفاوت الأثر، بعد قرابة 38 سنة، للأوبة لحكم مدني مسالم متوازن، قدر الإمكان، يعيد للشأن العام بعض هيبته وللجيش مهمته الدستورية الجمهورية الطبيعية، بعد طول سير متعثر مقلق.

كل واحد منا على ثغر من ثغور المسؤولية فلا يتركنها، فإنه مسئول يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

قال الله تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ  "، وقال جل شأنه " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ".

وفي موضع آخر قال ربنا سبحانه وتعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين .

وفي محكم التنزيل في سورة السجدة:" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ ".

لا بد من بذل جهد متوازن،مهما كان مستوى الصعوبة والمعاناة ، فتلك سنة الله في خلقه وأرضه، حيث خاطب الله سبحانه تعالى مريم ابنة عمران في الوقت مظنة الحيرة والألم "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباجنيا"".

هز الساحة برفق وأسلوب سلمي مدروس حذر لا بد منه، ضمن تصعيد يفضي بحكمة للمأمول.

وليبارك الله في جهد منتدى الديمقراطية المعارض وغيره من الناصحين، رغم أنني لا أزكيه ولا أريه سليما من العيب ودواعي التقييم والنقد الصادق الموضوعي.

وأقول لكل ناصح بعيد من الحوار المهزلة، الذي لا يعدو مجرد مؤامرة في عصارته الخاتمة، لتمرير المعلوم،  المجهول عند بعض البسطاء.

وحاصل هذا التمرير، المقصود منه بقاء عزيز في السلطة بصيغة أو بأخرى، مباشرة أو غير مباشرة على منحى مدفدف – بوتين الروسي، عبر استحداث وظيفة نائب الرئيس على الطريقة الدستورية الأمريكية لسد الفراغ الحاصل اثر إلغاء صلاحيات  رئيس مجلس الشيوخ المترتبة عند فقد الرئيس أو عجزه.

هذه طريقة أرجح لصعوبة تمرير العهدة الثالثة لأسباب عدة داخلية وخارجية.

أما توقع ذهابه عن السلطة دون إحدى هذه المخارج المكرسة للنفوذ غير المباشر فمستحيلة،  وكل هذا قد يؤول ويفضي إلى باب مسدود، يفجر لا قدر الله الأوضاع ويحير ذوي الفهم وأصحاب الألباب.

أقول لكل ناصح وطني مصابر، حتى ولو شارك في الحوار مجتهدا متأولا، لدرء بعض الخطر لا كله، والذي لا يعلم صدقه إلا الخالق أو بعض الخلق ربما: "أقبل ولا تخف إنك من الآمنين"، "لا تخف نجوت من القوم الظالمين" "لا تخاف دركا ولا تخشى" "لا تخف إنك الأعلى" "لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى".

اللهم ثبت الصادقين وانصرهم على المتلاعبين، يا أكرم الأكرمين يا ذا الجلال والإكرام، والعاقبة للمتقين.

ولله الأمر من قبل ومن بعد ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.