ولد مولود في مقابلة شاملة مع الأخبار إنفو

ثلاثاء, 2015/09/01 - 13:15

الأخبار (انواكشوط) – أكد رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والقيادي في منتدى الوحدة والديمقراطية في موريتانيا أن بقاء نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز "يهدد بقاء هذا البلد والشعب"، مشددا على أن على ولد عبد العزيز أن "يغادر لأن الدستور يمنع عليه أي مأمورية جديدة"،

 

كما "النظام الذي يمثله بممارساته من احتكار السلطة، ومركزة الثروة، وتجاوز القانون، هذا أضحى ملفوظا؛ ليس فقط من طرف الشعب، وإنما أضحى بقاؤه مناقضا للمصالح الحيوية للشعب الموريتاني، فبقاؤه بهذا الأسلوب، وبهذه الحكامة ضد بقاء الشعب، وضد بقاء البلد".

 

وتحدث ولد مولود في مقابلته الشاملة مع صحيفة "الأخبار إنفو" عن عبثية حوار 7 سبتمبر التي دعت لها الأمانة العامة للرئاسة، مشددا على أنه هذا النوع من الحوار لا يشارك فيها عاقل، كما وصف الوطن الآن بأنه "ليس وطننا، الوطن الآن هو وطن جماعة الرئيس والزمرة العسكرية التي أخذت الحكم، هي التي الوطن وطنها أم البقية فلا علاقة لها به، وهذا هو التناقض الرئيسي اليوم، والقائم بين الجماعة الحاكمة، وكل الشعب بكل فئاته، وطبقاته".

 

كما تحدث عن وجود جيشين في البلد، هما الجيش التقليدي، والحرس الرئاسي، معتبرا أنه من الناحية الواقعية كان الجيش دائما ضحية للزمرة القيادية فيه، تتصرف باسمه، وتسير البلاد باسمه، فهو إذاً من جملة الضحايا، مردفا أنه لا يوجد شيء أفسد للجيش من الأنظمة العسكرية.

 

وتساءل ولد مولود: هل أن الجماعة الحاكمة منذ سبعة أعوام من عسكريين ومدنيين هل أضحت على استعداد للخروج من الحلبة السياسية، تخرج المسرح السياسي؟ وهي تحديدا الجماعة القائدة للجيش، أم أنها ما زالت ترفض مغادرة الحلبة السياسية، وتنوي البقاء في السلطة حتى ولو غادرها ولد عبد العزيز؟

 

كما تحدث ولد مولود عن وجود "بداية تحلل يسبق انهيار الدول عادة، النزاعات، والدعوات العرقية، القبلية، والعنصرية"، معتبرا أن "تسميم الأجواء هو الذي يجعل من الضروري انتشال البلد، وانتشال شروط بقائه ما دام الأمر ممكنا".

 

وهذا هو نص المقابلة:

الأخبار إنفو: ما آخر موقف لكم من الدعوة التي وجهها لكم الأمين العام للرئاسة لحضور جلسة الحوار يوم 07 سبتمبر القادم؟

 

ولد مولود: موقفنا على مستوى اتحاد قوى التقدم، هو بالطبع موقف المنتدى، وذاك موقف معروف، وهو أن المنتدى متمسك بمسار الحوار الذي كنا نسير فيه نحن والسلطة، وهو تحضير حوار وطني، بتبديد جو عدم الثقة الذي كان قائما، نتيجة لمآخذنا على السلطة في الماضي فيما يعني الحوار.

 

ويجب هنا التذكير بأن المنتدى حصل من السلطة على الموافقة على هذه اللقاءات التمهيدية، وعلى ضرورة تبديد هذه الشكوك، وأن السلطة وعدت – أو أكدت – استعدادها للتجاوب مع تلك المطالب في المرحلة التمهيدية التي ستؤكد لنا أن نيتها صادقة، وأنها – فعلا – تريد حوارا جادا.

 

المقاربة إذاً كانت مقاربة مشتركة، وهذا يجب التركيز عليه، مقاربة اللقاءات التمهيدية مقاربة مشتركة بينها والسلطة.

 

وقد لاحظنا في الرسالة الأخيرة التي أرسلها الوزير الأمين العام للحكومة أن هناك تنكرا لهذا المسار، وبدون سابق إنذار، بينما كان المتوقع أن يقدموا ردودهم التي ووصلتنا شفويا أن يقدموها بشكل مكتوب.

 

تنكرهم لهذا التعهد - حتى ولو لم يكن صريحا – ورفضهم العملي لهذا الرد المكتوب من شأنه أن يعيدنا للصفر، وللشكوك في نيتهم، وأنها غير صادقة، وأنهم غير مستعدين لحوار جاد، والهدف من المسار كله كان إعادة جو نسبي من الثقة في هذا الحوار الذي سيتم تنظيمه.

 

إذاً نحن ما زلنا على موقفنا، نتمسك بالمسار الذي كنا نسير عليه، وهو التحضير لحوار وطني بلقاءات تمهيدية تمكن من تبديد الشكوك، والتأكد من نوايا كل الأطراف.

 

الأخبار إنفو: ما هي الضمانات التي يمكن أن تجعل اتحاد قوى التقدم و- بل والمنتدى ككل – يشارك في جلسة 7 سبتمبر القادم؟

 

ولد مولود: هذه اللقاء الذي تنوي الحكومة تنظيمه يوم 7 سبتمبر – أو قبله - لا يعنينا بتاتا، فهو تنكر للمسار السابق، وهو انقلاب عليه، وهو قرار انفرادي، ويهدف إلى تنظيم حوار بناء على إرادة أحادية، وهذا يتنافى مع ما اتفقنا عليها، وإذا كانت هذه هي البداية، فالنهاية قطعا لا يعول عليها ولا يرجى منها شيئا.

 

إذا كان هذا في الجانب التمهيدي، بنقض الالتزامات، وإبداء نية مبيتة على عدم توفير الضمانات اللازمة، في الأمور السهلة لأن الجوانب التمهيدية دائما أسهل من الحوار نفسه، فلا يمكن أن ننتظر من هذا الحوار شيئا، ولذلك لن يذهب عاقل إلى مثل هذا الحوار.

 

الأخبار إنفو: يجري الحديث عن دور وساطة تقوم به المعاهدة من أجل التناوب السلمي بينكم والسلطة، أين وصلت هذه الوساطة؟

 

ولد مولود: لا أظن أن هذه وساطة. نحن كنا في اتصال مباشر، ولا يوجد خلاف بيننا له حل وسط. هناك مسار كنا نسير عليه، ويهدف إلى تنظيم حوار وطني نشارك كلنا في تصوره وفي تنظيمه.

 

وعندما يأخذ طرف قرارا انفراديا، وقرارا أحاديا، فيجب على الفاعلين السياسيين الآخرين – إذا كان لهم دور – أن يكون بإقناع هذا الطرف – الذي هو طرف السلطة – بالعدول عن هذا التوجه، والرجوع إلى المسار الحقيقي.

 

وبالنسبة للمعاهدة ما بلغنا عنها، هو أن الرئيس مسعود ولد بلخير صرح بأنه لن يشارك في حوار لا يشارك فيه المنتدى، وهذا موقف جيد، ونحن نثمنه، ونرى أنه يجب أن يكون موقف الفرقاء السياسيين الآخرين في المعارضة، سواء في المعاهدة أو في غيرها، لأن المقاربة التي بيننا والسلطة تهدف إلى توفير ضمانات فقط من أجل إنجاح الحوار القادم، وهذه الضمانات ليس للمنتدى وحده، بل هي ضمانات ليكون الحوار مجديا، ولذلك من له دور إيجابي في هذا المجال، فعليه أن يكون إقناع السلطة بأنها ارتكبت خطأ كبيرا، لأنها أكدت بهذا التصرف ما زالت تراوغ، وما زالت تحاول جر الفرقاء إلى حوار غير جدي، وهذا بالطبع نظرا للتجربة غير ممكن "فالعاقل لا يلدغ من جحر مرتين".

 

الأخبار إنفو: هل هذا هو الموقف الموحد للمنتدى أم لكل طرف رؤيته؟

 

ولد مولود: نعم، هذا هو موقف المنتدى، والمنتدى موحد تماما على هذا الموقف، ولا يمكن إلا أن يكون موحدا. لأن السلطة بما لديها من الاستهتار واحتقار الأطراف الأخرى في تصرفاتها وفي مبادراتها لا تترك فرصة لمن قد يريد الاغترار بمناوراتها أن يغتر بها.

 

والحقيقة أنه لم يصدر أي صوت معارض للموقف الذي تبناه المنتدى. الجميع يعارض تماما أي انخراط في هذا الحوار الذي تدعو إليه السلطة.

 

الأخبار إنفو: السلطة تتهمكم بإعاقة الحوار. فأنتم تأكدون دائما أن الأزمة أزمة سياسية، لكنكم في الوقت ذاته تقحمون النقابات والمجتمع المدني في هيئات المنتدى، كيف سيكون ردكم لو تقوت السلطة بالنقابات وهيئات المجتمع المدني الداعم لها؟

 

ولد مولود:  إذا كان الحوار جادا، فعلينا – وهنا تبرز أهمية اللقاءات التمهيدية – أن نرتب الأمور حتى يكون حوارا جادا، جادا في تنظيمه، جادا في مواضيعه، جادا في جدول أعمالها جادا في المشاركين فيه، وبالطبع أن المجتمع المدني له مكانته، لكن المجتمع المدني الفعال، الذي له دور فعلي في المشهد الوطني.

 

أما تجربة منتديات الديمقراطية 2009، والتي استجلبت فيها موريتانيا الأعماق، وما توصلت إليه الورشات وضع على الجانب، وزعم أن قرارات أخرى تم تبنيها، وذلك في شكل انقلابي. هذا النوع من الحوارات لن يشارك فيه أحد، لن يقبل به أحد.

 

وأنا أود في قضية الحوار أن يتجاوز الجميع هذه الشكليات، ولنصل إلى عمق الحوار والهدف منه.

 

لنجب جميعا على سؤال: ما هو الهدف من الحوار؟ ما هو هدف السلطة من الحوار؟ وما هو هدفنا من الحوار؟

 

ليوضح كل منا هدفه، لأن هذا هو ما سيحدد ما إذا كان الحوار ممكنا أولا، وما إذا كان مجديا كذلك.

 

الأخبار إنفو: وما هو هدف المعارضة من الحوار؟

 

ولد مولود: نحن نرى أن الحوار ضروري لأنه هناك أزمة سياسية، وهذه الأزمة السياسية تتلخص في المعادلة التالية: النظام القائم الآن لم يعد قابلا للبقاء؛ لا قانونيا، بالالتزام بالدستور، ولا سياسيا، لأنه يشكل عقبة حقيقة أمام الشعب الموريتاني في كل طموحاته الحيوية.

 

وبمعنى آخر هذا النظام قائم على احتكار السلطة، وسد الباب أمام التناوب السلمي على السلطة، وقائم على مركزة الثروة، وإقصاء الآخرين، وقائم على تجاوز القانون، وكل الشعب الموريتاني يطالب الآن بالعدالة، ويتوق إلى العدالة. إذاً حاجة النظام للبقاء تدفعه لمناقضة كل طموحات ومطالب الشعب الموريتاني، وهو تناقض أضحى صارحا، وشبه يومي، ولم يعد بإمكان الشعب تحمل هذا النوع من الحكامة، كما أن هذا النوع من الحكامة لم يعد قابلا للاستمرار ولا للبقاء.

 

فإذا كان النظام أو الرئيس يناور ويريد حوارا، ويريد انتخابات، ويريد شكل ديمقراطي من أجل إبقاء نظامه واستمراره في السلطة لفترة أخرى إضافية، فبالطبع سيقود البلاد إلى ما قاد إليه صالح اليمن، وإلى ما قاد بوزيزي وسط إفريقيا، وإلى ما قاد إليه ابليز كومباوري بوركينا فاسو، لأنهم كلهم رؤساء كان لهم حرس رئاسي، وكانو متشبثين بالسلطة بشكل كبير، وكانوا لا يولون أي اعتبار لقدرة الشعب على رفض إرادتهم.

هذا هو مآل إصرار الرئيس على إبقاء نظامه.

 

وحال ما يفهم أن عليه ترك السلطة بسلام، بسلام عليه هو أولا، وعلى البلد، حينها سيكون هناك مجال للحوار وللمفاوضات بين كل أطراف السياسية. وهذا هو جوهر القضية.

 

الأخبار إنفو: إذاً أنتم لا تقبلون حواره إلا إذا كان حول الطريقة التي سيغادر بها السلطة؟

 

ولد مولود: أنا قلت لكم، إنه يجب عليه أن يغادر لأن الدستور يمنع عليه أي مأمورية جديدة، والقضية ليست محل نقاش، ولا تقبل المحاولة، وثانيا النظام الذي يمثله بممارساته من احتكار السلطة، ومركزة الثروة، وتجاوز القانون، هذا أضحى ملفوظا؛ ليس فقط من طرف الشعب، وإنما أضحى بقاؤه مناقضا للمصالح الحيوية للشعب الموريتاني، فبقاؤه بهذا الأسلوب، وبهذه الحكامة ضد بقاء الشعب، وضد بقاء البلد، وأصبحا متناقضين. هذا النظام بقاؤه يهدد بقاء هذا البلد والشعب.

 

وإذ اقتنع الرئيس أن فترته انتهت، وأن النظام شبه العسكري والذي يعتمد أساليب غير قانونية، في الوقت الذي يطالب فيه الشعب بدولة القانون والعدالة، ويريد توزيع الثروة، ويريد التناوب على السلطة، هذا القضايا الثلاث الحيوية التي يمكن أن تخرج موريتانيا أزمتها التي توجد فيها هو يرفضها، وإذ أقلع عن رفض هذه المسائل الثلاث حينها يمكن الحديث معه، وإذا تحدثنا معه – حينها – يمكن أن نتوصل إلى نتيجة، وإذا لم يكن هذا ضمن أجندته فالحوار لن تكون له نتيجة، وسنظل في الأزمة، بل - لا قدر الله – هذا النوع من الأزمات، في آخر فترات هذا النوع من الرؤساء، وهذا النوع من الأحكام، يؤدي دائما إلى المنزلقات التي رأيناها في البلدان الأخرى، والتي يجب أن نتفاداها.

 

نحن دائما في اتحاد قوى التقدم يقال لنا أن لا بد لكم من الحوار، وتسعون دائما له. لكن نحن مستعدون للحوار الذي ينقذ البلد، وينقذ الشعب، والمنتدى كذلك مستعد للحوار الذي ينقذ البلاد، وينقذ الشعب، ويخرجه من أزمته الحالية.

 

أما الحوار العبثي – كالذي دعوا له يوم 7 سبتمبر – فلا يمكن أن ننشغل به، أو نشارك فيه.

 

أما إذا عادوا إلى المسار الذي كنا فيه، والمقاربة التي تعتمد على التوافق على الحوار، ويبرهنوا على نيتهم الصادقة في تنظيم حوار جدي، يناقش كيفية خروج هذا النظام من السلطة. هل سيتمر فيها حتى يخرج بالقوة، لأن لديه كتيبة الأمن الرئاسي "بازب"؟ كما أن لديه القوة والمال، وبالتالي لن يغادر إلا بالقوة، وهذا هو الذي يمكن أن يؤدي إلى الكوارث والمنزلقات؟

 

أما أنهم يقبلون بالمغادرة – عند نهاية مأموريتهم وهم مغادرون – والأفضل لهم أن يغادروا بسلام؟

 

الأخبار إنفو: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تعديل الزمور الوطني، كالعلم، والنشيد، وغيرهما، ونشرت صفحة أنشأها موظفون في الرئاسة العلم الجديد، ما رأيكم في نقاش تعديل هذه الرموز في ظل الحديث عما يعرف بـ"إعادة تأسيس موريتانيا"؟

 

ولد مولود: من اقتربت مغادرته لا يجب أن يتحكم للآخرين في الإصلاحات التي تعني ثوابتهم كالعلم والنشيد وغيرهما. فالأمر لا يعنيه. ولا ينبغي أن يشغل نفسه بهذا. ولد عبد العزيز مغادر لا محالة، ولا يمكن – بحال من الأحوال - أن يبقى في السلطة، لا قانونيا ولا سياسيا، ولا بأي صفة من الصفات.

 

وبالنسبة لهذا النوع من المواضيع فتعديله ونقاشه يحتاج إلى إجماع وطني، وهذه القضايا ليست أولوية، أولويتنا هي وجود حكومة، حكومة تهتم بهذا الشعب، وتسوي مشاكله. وأن تكون لدينا حكامة رشيدة ومنصفة لهذا الشعب.

 

حكومة يتعرض بلدها لجفاف ماحق فلا تبالي به. يفقد المواطنون نصف ثروتهم الحيوانية فلا تبالي بالأمر، تتكرر حادثة الجفاف هذا العام فلا تهتم، وتأتي بأعلاف فيأكد لها أنها فاسدة فتظهر وكأن الأمر لا يعينها، ولا تحاسب من أتوا بالأعلاف، ينتشر وباء الحمى في انواكشوط فلا تبالي بالشعب، ولا تعترف بوجود وباء.

 

الشعب يريد حكومة أولا، وهو بحاجة لحكومة تعتني بمشاكله، هذه هي الأولوية بالنسبة ليه، وليست أولويته تعديل النشيد، أو تغيير العلم، هذه أمور يُشغل بها الإعلام، ويشغل الإعلام بها السياسيين، ويلهى بها الشعب في نوع من الجدل والنقاشات لا قيمة لها. والسلطة ماهرة في هذا النوع من المسلكيات، فقد عودتنا أن الديمقراطية عنده  هي إعطاء الحرية للناس لانتقاده، وللتعبير عن آرائها، وفي الوقت ذاته يقوم هو بما يشاء من تصرفات غير سليمة، وأحيانا خارج القانون، والكل يعرفها، ويتم إلهاء الناس في هذا النوع من الأمور، سنغير النشيد، أو نغير العلم، ويتم إلهاء الناس عن ممارساته اليومية في الاحتواء على ممتلكات الدولة، وعن احتواء مفاصل الدولة من خلال إدخال أشخاصه في ممارسات أعتبرها فسادا واضحا، ويتم إلهاء الناس عن كل هذا بهذا النوع من النقاشات.

 

إذاً، هذا النقاش غير وارد. دعونا حتى نجد دولة قانون، وحتى نسوي مشكلة العدالة بين المواطنين، وحتى نسوي مشكلة اللحمة الاجتماعية المهددة، وهذا لها الأولوية، دعونا حتى نحل مشكلة فئاتنا الاجتماعية المهمة، والتي تتعرض لأوضاع خطيرة، وعدم البدء في علاجها يهدد الوحدة الوطنية. دعونا نحل مشكلة تطبيع الساحة السياسية بتوفير مجال للتناوب السلمي للسلطة. هذه هي الأولوية أما الآخر فهو مجرد بالونات إلهاء للمواطنين.

 

وهناك نقطة أود إضافتها، وهي أنهم لن ينتظروا النقاش لتعديل هذه الأمور؛ انظروا إلى بطاقة التعريف، فقد تم تحريف الألوان الوطنية التي كانت فيها، وحذف منها خاتم الدولة، وسميت بطاقة تعريف، بدل اسمها الحقيقي، وهو "بطاقة التعريف الوطنية"، ما معنى بطاقة تعريف فقط، يمكن أن تكون تعريف مهنية، أو غيرها، لكن لا تثبت مواطنك.

 

من قام بهذا؟ من امتلك الجرأة على تغيير الثوابت؟ فهذا من الثوابت؟ من تلاعب برموز الدولة الوطنية؟ ها هم تلاعبوا بها، ويمكن غدا أن يتلاعبوا بغيرها، يمكن أن نستيقظ غدا وقد أعلنوا علما جديدا أحمر أو أصفر أو خليطا من ألوان عديدة. كل شيء ممكن في هذه الظروف.

 

لكن في النهاية ما سيبقى، وسيأخذ أهميته المستحقة، هو ما نال الإجماع الوطني، وهو ما لن يكون ما لم يتم تجاوز الخلافات، والوصول إلى وضع طبيعي يشعر الجميع فيه بالشراكة في الوطن، وأنه له كلمته المسموعة فيه، سواء كان من الفئات المحرومة، أو من الأحزاب السياسية، أو من المجتمع المدني، أو من الولايات. لا بد أن يشعر الجميع أن هذا وطنهم.

 

الوطن الآن ليس وطننا، الوطن الآن هو وطن جماعة الرئيس والزمرة العسكرية التي أخذت الحكم، هي التي الوطن وطنها أم البقية فلا علاقة لها به.

 

وهذا هو التناقض الرئيسي اليوم، والقائم بين الجماعة الحاكمة، وكل الشعب بكل فئاته، وطبقاته.

 

الأخبار إنفو: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تنامي دور محيط الرئيس في الشأن العام، وظهرت في الفترة الأخيرة هيئة خيرية قيل إنها لزوجته، أو لابنه، وظهر ابنه وهو يوزع باسم الهيئة سيارات الإسعاف، والإعانات على الفقراء، كما عقد لقاء مع العائدين ووعدهم بالعمل على تسهيل مشاكلهم وحلها، كيف ترون دلالة هذا في هذه الظرفية؟

 

ولد مولود: لا أحبذ – عادة - الخوض في أمور العائلات، ولا تكتسي أهمية بالنسبة لي.

 

وإذا كان ما يقال عنه من تفكير في هذا الاتجاه، فمعناه أنه لا يفهم شيئا في تطور الزمن، ولا في منطق التاريخ، وفي الواقع، وأنه يسبح عكس تيار التاريخ وتيار المنطقة، ومن يعمل على هذه الشاكلة لم يعد له ارتباط بالواقع، وأصبح يعيش انفصاما مع الواقع.

 

الأخبار إنفو: يصف بعض المتابعين الأزمة السياسية في البلاد بأنها في حقيقتها أزمة بين المعارضة والمؤسسة العسكرية الحاكمة في البلاد، هل توافقون الطرح؟ ولم لا تطلبون الحوار مع المؤسسة العسكرية بشكل مباشر إذا كانت الأزمة معها؟

 

ولد مولود: هل توجد مؤسسة عسكرية؟ وهل تركت لتوجد؟

 

نحن بالنسبة لنا وضعنا مطلبا يتمثل في إعادة دمج الحرس الرئاسي في المؤسسة العسكرية، لأن نرى أنه غير مدمج فيها، وأنه خارجها، وأنه في الواقع هناك جيشان، الجيش التقليدي، والحرس الرئاسي.

 

ورأينا أن هذا في بعض الحالات تصبح المؤسسة العسكرية مشلولة، وتتخذ الكثير من الإجراءات باسمها، وهي في الواقع لا دور لها فيه، والفاعل هو الرئيس نفسها، لأنه متمكن من آلة تردع المؤسسة العسكرية نفسها، في نظري أن هذا هو الواقع.

 

رأينا – مثلا – في بوركينا فاسو الحرس الرئاسي أصبح عقبة أمام العملية الانتقالية، وبقية المؤسسة العسكرية لا يمكن أن تعترض، ورأينا ذلك في اليمن، إذاً هذه هي المشكلة.

 

الحرس الرئاسي في موريتانيا بعض أبناء موريتانيا، وبعض الجنود الذين يجب أن يكونوا تابعين للجيش، وفي النظام الديمقراطي، ليس للجيش دور في أن يكون حارس رئيس مدني ديمقراطي، هذا دور لديه مؤسسة أخرى ليس الجيش، وإذا كتيبة الأمن الرئاسي جزء من الجيش فيجب أن تعاد إليه، وأن تدمج فيه، وأن تتبع له، وأن يصبح الجيش مؤسسة عسكرية حقيقية.

 

وهناك سؤال: أين المؤسسة العسكرية؟

 

ثانيا: من الناحية الواقعية الجيش كان دائما ضحية للزمرة القيادية فيه، تتصرف باسمه، وتسير البلاد باسمه، فهو إذاً من جملة الضحايا.

 

ولا يوجد شيء أفسد للجيش من الأنظمة العسكرية، كان تأثيرها ووقعها على المؤسسة العسكرية مدمرا في كل الفترات، وهذا لا يغيره قولهم إننا أصبحت لدينا فرق، وأنها مسلحة. هذا لا يصنع جيشا، ما يصنع الجيش هو روح الانضباط العسكري، وروح الولاء العسكري للوطن، وروح الوحدة الغائبة الآن.

 

من ناحية أخرى الحوار الآن جوهره – كما ذكرت لكم سابقا – هو: هل أن الجماعة الحاكمة منذ سبعة أعوام من عسكريين ومدنيين هل أضحت على استعداد للخروج من الحلبة السياسية، تخرج المسرح السياسي؟ وهي تحديدا الجماعة القائدة للجيش، أم أنها ما زالت ترفض مغادرة الحلبة السياسية، وتنوي البقاء في السلطة حتى ولو غادرها ولد عبد العزيز؟

 

في أمريكا اللاتينية هناك جنرالات لما فهموا أنه لم يعد بالإمكان بقاءهم في السياسية، نظموا حوارا مع الطبقة السياسية – لا يهم شكله وإنما مآله – وكانت نتيجته خروج المؤسسة العسكرية بشكل تام من السياسية، وانتقلت إلى مرحلة التناوب السلمي على السلطة.

 

وهذا أنقذ أمريكا اللاتينية ولولا ذلك لبقيت في الأزمات، وفي المشاكل وفي الحروب الأهلية.

 

الأخبار إنفو: إذاً، أنتم على استعداد للحوار مع المؤسسة العسكرية؟

 

ولد مولود: المؤسسة العسكرية الآن يتقدم باسمها ولد عبد العزيز، وقد قبلت أن يتقدم باسمها، وهو من يمارس باسمها السلطة عمليا، حتى ولو كانوا يقولون إن ذلك ليس هو الواقع، ونحن على استعداد للتحاور معه، ومع من خلفه، حول سبل خروجهم الآمن من الساحة السياسية، ومن أجل إنقاذ بلدهم، لأن إصرارهم على السلطة يقود البلد للانهيار  والدمار، وعندما يبدأ العنف في بلد ينهار فاستعادة الهدوء في البلد صعب، ولتنظر ما يجري الآن في مالي.

 

إذاً لا حاجة لهم في تدمير بلدهم، ولا في جره إلى المشاكل، ولا حاجة لهم في خسارة ما كسبوه طمعا في زيادته، وعليهم أخذ العبرة مما يدور حولنا، وما نشاهده في البلدان الأخرى.

 

وعليهم أن يدركوا أنه لم يعد بإمكانهم البقاء في السلطة، ولم يعودوا يصلحون لذلك بسبب الممارسات التي أشرنا لها سابقا من احتكار السلطة، ومركزة الثروة، ودوس القوانين. فهذا النوع من الأنظمة لا يمكن أن يستمر، وعليه أن يبحث عن مخرج سلمي له وللبلد.

 

الأخبار إنفو: بعد عدة أعوام من الحرب على الفساد، ما هو تقييمكم لها؟

 

ولد مولود: تمت مركزة الفساد خلال هذه الفترة، فقد كان غير منظم، كان ظاهرة متشتة ومبعثرة. اليوم أصبح الموظف الذي لصاحب الأمر عليه مأخذ يأخذ ككبش فداء لترهيب الآخرين، حتى يبقى الفساد أمرا منظما، وممركزا بيد السلطة العليا.

 

الكل يدرك اليوم أن الثروة ممركزة في محيط السلطة، وبقية الشعب بالكاد يستطيع العيش، والناس تتابع هذه المسلكيات الغربية، وغير المسبوقة.

 

وبما أنهم دائما يحبون الأمور التي لم يُسبقوا لها، فأنا أقول إنهم أول من استولى على كل الساحات العمومية في العاصمة ونواحيها القريبة، وفي ظرف وجيز احتلوها كلها، وفي ظروف غامضة، سواء عملية المطار التي مكنتهم من احتلال الكثير منها، وما فضل عنهم منها أهدوه لمقربين منهم تحت ذريعة أنها إقطاعات ريفية.

 

وبعد نهاية الساحات العمومية اتجهوا الآن لبيع الممتلكات العمومية، وذلك لبناء حوانيت، وكأن بناء حانوت أفضل من بناء مستوصف، أو مسجد، أو مدرسة. هذا هو عين الفساد.

 

كما أن من الفساد كذلك تجاهل أوضاع المواطنين، وما الحمى المنتشرة في انواكشوط منا ببعيد. هذا من الفساد.

 

ومن الفساد كذلك غياب أي إستراتيجية لحكم البلد، لا يوجد لديه أي استعداد لمواجهة أي مخاطر كبيرة من الأخطار تهدده، لا يوجد أي تصور، لا يوجد أي استعداد، على سبيل المثال هذه الأخطار الخارجية التي تتهدد البلد، الحكم الرشيد يقتضي إعداد الجبهة الداخلية لمواجهتها، الحكم الرشيد يقتضي وجود مقاربة للتعامل مع الوحدة الوطنية، بحوار وطني، بمقاربة وطنية، باحتواء الجميع، ومساواتهم في الحقوق والواجبات.

 

الأخبار إنفو: ما تعليقهم على تأكيد الحكم الأخيرة على بيرام ولد الداه ولد اعبيدي؟

 

ولد مولود: هذا من الفساد أيضا. بل هذا هو أخطر أنواع الفساد، لأن القضاء كأساس من أسس استقرار البلاد تم هدمه. وهذا هو ما تم في هذه المحاكمة، لأنه واضح أن المسطرة القضائية تم انتهاكها، وواضح أن احترام حقوق المواطنين في التظاهر السلمي على مواضيع مشروعة تم الدوس عليها بالأقدام، وواضح أن هذا نوع من تغذية المشاكل لأساسية التي قد تتحول إلى كراهية بين المجموعات، وإلى توتر داخلي بين المواطنين، ويمكن أن يكون هذا هو الهدف منها.

 

الأخبار إنفو: عرفت الفترة الأخيرة عودة قوية للكتابات والنزعات القبلية والجهوية والعرقية، كيف ترون هذا الموضوع؟

 

ولد مولود: مع الأسف. أرى أن من سلبيات الواقع السياسي والاجتماعي الرهن أن الساحة الوطنية بدأت تشهد عملية تحللا، وهذا مظهر من مظاهره، وآمل أن لا يقود البلد الذي نخشاه جميعا. تحلل في الانسجام الاجتماعي، تحلل في الدولة، في إدارتها، وفي هيكلتها، وفي النظرة إليها.

 

فالدولة نفسها بدأت تبدو غائبة، وعاجزة.

 

فمع الأسف هناك بداية تحلل يسبق انهيار الدول عادة، النزاعات، والدعوات العرقية، القبلية، والعنصرية، والتي يمكن أن يكون الذي يعبرون عن امتعاضهم من الموقف كذا أو كذا، وقد يكون موقفها صادقا، لكن نظرا لعدم نظافة الأجواء يتم تأويل كل موقف تأويلا عرقيا أو قبليا، أو جهويا، وهذا التسميم في الأجواء هو الذي يجعل من الضروري انتشال البلد، وانتشال شروط بقائه ما دام الأمر ممكنا، وهذه هي المقاربة التي يعتمدها المنتدى، ونعتمدها في اتحاد قوى التقدم، لأننا ندرك أننا إذا لم نبادر، ولم نعمل على إيجاد تسوية للأزمة الراهنة، فيخشى على البلد أن تأدي به عليه التحلل إلى المجهول.